السيسي يعرض وجهة النظر المصرية لحل أزمات المنطقة العربية (صور)

ونوه إلى ان الأمن القومي العربي يواجه تحديات غير مسبوقة، فهناك دول عربية تواجه لأول مرة منذ تاريخ تأسيسها، تهديداً وجودياً حقيقياً، ومحاولات ممنهجة لإسقاط مؤسسة الدولة الوطنية، لصالح كيانات طائفية وتنظيمات إرهابية، يمثل مشروعها السياسي ارتداداً حضارياً كاملاً، عن كل ما أنجزته الدول العربية منذ مرحلة التحرر الوطني، وعداءً شاملاً، لكل القيم الإنسانية المشتركة، التي بشرت بها جميع الأديان والرسالات السماوية.

وأشار لوجود دول إقليمية، تهدر حقوق الجوار، وتعمل بدأب على إنشاء مناطق نفوذ داخل الدول العربية، وعلى حساب مؤسسات الدولة الوطنية بها، منوها لأن جيش إحدى الدول الإقليمية متواجد على أرض دولتين عربيتين، في حالة احتلال صريح، وهناك اجتماعات تجري لتقرير مصير التسوية، وإنهاء الحرب الأهلية الشرسة، التي أزهقت أرواح ما يزيد عن نصف مليون سوري، بدون مشاركة لأي طرف عربي، وكأن مصير الشعب السوري ومستقبله، بات رهناً بلعبة الأمم، وتوازنات القوى الإقليمية والدولية.

وألمح لوجود طرف إقليمي آخر، زينت له حالة عدم الاستقرار التي عاشتها المنطقة في السنوات الأخيرة، أن يبني مناطق نفوذ باستغلال قوى محلية تابعة له، داخل أكثر من دولة عربية، مؤكدا أن هناك دول عربية متورطة في التآمر مع هذه الأطراف الإقليمية، وفي دعم وتمويل التنظيمات الطائفية والإرهابية.

وأشار السيسي للجرح الفلسطيني النازف، وشهداء فلسطين الذين يسقطون كل يوم، مؤكدا أنها قضية العرب المركزية التي توشك على الضياع، بين قرارات دولية غير مفعلة، وصراع الأشقاء أصحاب القضية، الذي يستنزف قواهم ومواردهم الضئيلة، ويفتح الباب أمام مَن يريد تكريس واقع الاحتلال والانقسام كأمر واقع، ويسعى لإنهاء حلم الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة المستقلة.

وشدد على أن المنطقة تواجه أخطر أزمة، منذ استقلالها وانتهاء حقبة التحرر الوطني، مؤكدة ضرورة تحمل المسؤولية في وقف هذا التردي في الأوضاع العربية، واستعادة الحد الأدنى من التنسيق المطلوب لإنقاذ الوضع، والوقوف بحزم أمام واحدة من أخطر الهجمات التي عرفتها الدولة الوطنية في المنطقة منذ تأسيسها.

وأكد أهمية وضع استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي، لمواجهة التهديدات الوجودية التي تواجهها الدولة الوطنية في المنطقة العربية، وإعادة تأسيس العلاقة مع دول الجوار العربي على قواعد واضحة، جوهرها احترام استقلال وسيادة وعروبة الدول العربية، والامتناع تماماً عن أي تدخل في الشأن الداخلي للدول العربية.

ونوه إلى طرح مصر عدة مبادرات لبناء استراتيجية فعالة وشاملة للأمن القومي العربي، وتوفير مقومات الدفاع الفعال ضد أي اعتداء أو محاولة للتدخل في الدول العربية، مؤكدا ثقته في إمكانية التوصل لهذه الاستراتيجية الشاملة، إذا توافرت الإرادة السياسية الجماعية، وصَدَقَ العزم على التعاون لاستعادة زمام المبادرة، بشكل يُفضي إلى وقف الانتهاك المتكرر لسيادة واستقلال الدول.

وأكد أن ما قدمه ويقدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات على مدار عقود، تضع الضمير الإنساني كله على المحك، منوها إلى أن قضية نضال الشعب الفلسطيني ليست قضية العرب وحدهم، ولكنها قضية الحق في مواجهة القوة.

وأكد أن مشروع القرار الذي شاركت مصر في إعداده، وأقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي بأغلبية 128 دولة، دليلاً جديداً على أن الحق العربي في القدس، هو حق ثابت وأصيل، غير قابل للتحريف أو المصادرة.

وشدد على أن العرب لا زالوا متمسكين بخيار السلام خياراً استراتيجياً وحيداً، وما زالت المبادرة العربية للسلام هي الإطار الأنسب لإنهاء الاحتلال، وتجاوز عقود من الصراع الذي أتى على الأخضر واليابس، لتبدأ مرحلة من البناء آن للشعوب أن تجني ثمارها.

وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته للوقوف أمام سياسات تكريس الاحتلال، وخلق حقائق جديدة على الأرض، ومحاولة مصادرة الحقوق الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وفي القلب منها القدس الشرقية، بل وحتى حرمان الشعب الفلسطيني من أبسط الحقوق والخدمات، عبر الأزمة التي تواجهها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، نتيجة عدم توفير الأموال الزهيدة التي تحتاجها، لتوفير الحد الأدنى من مقومات البقاء، لـ 5 ملايين لاجئ فلسطيني.

وأكد أن الانقسام الفلسطيني الذي يدخل عقده الثاني من أهم أسباب تعرض الحق الفلسطيني لأشرس هجمة لمصادرته وإسقاطه، مؤكدا ضرورة إنهائه فورا، لكي لا يكون ذريعة لإبقاء واقع الاحتلال.

وقال إن مصر تعمل بكل دأب مع الفلسطينيين، لطي هذه الصفحة الحزينة من تاريخهم، وقد آن الأوان لرأب هذا الصدع غير المبرر، وتجاوز اعتبارات المنافسة الحزبية لصالح إعلاء كلمة الوطن، واستعادة وحدة الصف الفلسطيني، التي هي شرط ضروري لخوض معركة التفاوض والسلام واسترداد الحق.

ونوه إلى أن الخطر يواجه كافة الدول العربية مثل العراق واليمن، وسوريا وليبيا، وهو خطر التنظيمات الإرهابية والكيانات الطائفية، التي تبتذل الإيمان الديني والتنوع الثقافي بالمنطقة، لتصادر الآفاق الرحبة للتعاون والتسامح والإثراء الثقافي، لصالح خيالها المريض، الذي يعادي الحضارة الإنسانية، ولا يتصور العلاقة بين البشر إلا في صورة صراع دموي ومباراة صفرية.

وأشار إلى جهود القوات المسلحة والشرطة المصرية، في معركة الحياة والشرف، معركة سيناء 2018، التي تتواصل نجاحاتها يوماً بعد يوم، لدحر قوى الشر والإرهاب التي لا تهدد مصر وشعبها فحسب، بل تهدد المنطقة والحضارة الإنسانية بأسرها.

وأكد أن المعركة جزء أساسي من حرب شاملة، يجب أن تتضافر الجهود لخوضها ضد التنظيمات الإرهابية أينما وجدت، لتشمل كل حلقات العمل الإرهابي، تنظيماً، وتسليحاً، ودعماً سياسياً، وغطاءً أيديولوجياً وإعلامياً.

وأكد أن من يحمل السلاح هو فقط الحلقة الأخيرة، من سلسلة إجرامية تشمل من يموله ويسلحه، أو يوفر له ملاذاً آمناً، أو منبراً إعلامياً وتبريراً فكرياً، أو من يستخدمه كمخلب قط، لإنشاء مناطق نفوذ والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وعبر عن ارتياحه للقرار المطروح من القمة العربية، لتطوير المنظومة العربية الشاملة لمكافحة الإرهاب، مطالبا البعض، ممن يصرون على الوقوف في الجانب الخاطئ من التاريخ، بالعودة إلى جادة الصواب، والتوقف نهائياً عن رعاية الإرهاب ودعمه، بشكل يتناقض كلياً مع تعاليم الإسلام، وأواصر الأخوة والعروبة، بل وقيم الإنسانية والحضارة.

وأعرب عن قلق مصر البالغ نتيجة التصعيد العسكري الراهن على الساحة السورية، لما ينطوي عليه من آثار على سلامة الشعب السوري، ويُهدد ما تم التوصل إليه من تفاهمات حول تحديد مناطق خفض التوتر.

ومؤكدا رفض مصر القاطع لاستخدام أية أسلحة محرمة دولياً على الأراضي السورية، مطالبةً بإجراء تحقيق دولي شفاف في هذا الشأن وفقاً للآليات والمرجعيات الدولية.

وطالب بتحرك جدي، لوضع حد لنزيف الدم السوري، الذي أزهق أرواح أكثر من نصف مليون مواطن سوري، وأدى لتحويل الملايين إلى نازحين ولاجئين، داخل بلادهم وفي الدول العربية العالم.

وأكد أن جهود الدول العربية، وتحديداً للتعاون المصري السعودي، كان لها الدور الأهم في توحيد كافة تنظيمات المعارضة السورية، مطالبا الأمم المتحدة أن تتحرك بشكل سريع، وبالتنسيق مع الدول العربية، لبدء مسار لجنة وضع الدستور السوري، كمقدمة لاستئناف جولات المفاوضات.

وشدد على أنه لن يكون مقبولاً أن يتم تشكيل هذه اللجنة، أو استئناف المفاوضات بناء على حسابات وتوازنات بين أطراف غير عربية، وإنما يجب أن يكون السوريون أنفسهم والعرب شركاء أساسيين في جهود السلام في سوريا، بوصفهم أصحاب المصلحة الحقيقية، في الحفاظ على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية.

وقال إن مصر مستمرة في دعم كل جهد، للحفاظ على وحدة ليبيا واستعادة مؤسسات الدولة فيها، حيث تستمر الجهود المصرية لتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، وخلق ضمانة أمنية تتأسس عليها عملية استعادة الدولة الوطنية في ليبيا والقضاء على الإرهاب.

وأكد التزام مصر بالعمل على استعادة الاستقرار، وتحقيق الحل السياسي العادل في اليمن، الذي لا يُمكن أن يتأسس إلا على مبادئ احترام وحدة الدولة اليمنية وسيادتها، ورفض منطق الغَلَبَة، ومحاولة فريق سياسي فرض طموحاته التوسعية على عموم اليمنيين بالقوة، والاستقواء بقوى إقليمية وأجنبية.

وشدد على أنه لا مستقبل في اليمن إلا بالحل السياسي، ولن يكون الحل السياسي إلا يمنياً خالصاً، لا مكان فيه لأطماع إقليمية أو لمنطق الاستقواء والغَلَبَة بين أبناء الشعب الواحد، مؤكدا أن مصر لن تقبل قيام عناصر يمنية بقصف الأراضي السعودية بالصواريخ الباليستية باعتباره تهديداً للأمن القومي العربي.