بنوك
"المصدر" تنشر كلمة الدكتور جوزيف طربية بمؤتمر إتحاد المصارف العربية
ألقى الدكتور جوزيف طربيه، رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية، ورئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب كلمة خلال حفل إفتتاح المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2017، الذى عقد بالعاصمة اللبنانية بيروت ، تحت عنوان " توأمــة الإعمار والتنمية: معاً لمواجهة التحديات الإقتصادية"
والى نص كلمة الدكتور جوزيف طربية :
دولة رئيس مجلس الوزراء السيد سعد الحريري،
معالي الدكتور أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية،
سعادة حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامة،
السيد الرئيس والسادة أعضاء مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية،
أصحاب المعالي والسعادة والسيادة،
أيّها الحضور الكريم،
يسعدني بداية أن أتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على رعايته لفعاليات هذا المؤتمر، الذي كان مخطّطاً له أن يُعقد بغير هذه الظروف المفاجئة التي يمرّ بها لبنان.
كما يسعدني أن أرحّب بجميع الإخوة من وزراء ومحافظي بنوك مركزية وقيادات مصرفية، ومؤسسات وسفراء عرب وأجانب، والشكر لهم جميعاً لحرصهم على المشاركة في هذا المؤتمر، رغم الظروف، ما يزيدنا قناعة بالدور الرائد لبيروت كعاصمة تعوّدت أن تعضّ على جروحها لتفتح قلبها للأشقّاء العرب، ولتؤكّد حضورها منارة للفكر ومنبراً للحوار للبحث في شؤون وشجون قضايانا العربية. كيف لا، والاحداث تتوالى في منطقتنا وتداعيات الربيع العربي لم تكتمل فصولاً: مدن عربية كاملة تم مسحها وقتل اهلها، سوريا تحترق والعراق ينزف، والمآسي لم تتوقف في اليمن وليبيا ومصر، ولبنان والاردن مليئان بخيام اللاجئين.
قد يقول قائل، أنه ليس الوقت المناسب لخطط بعيدة المدى، بل ما هو ملح هو معالجة المشاكل الحياتية والاقتصادية الطارئة الناجمة عن استمرار الحروب والصراعات، وإن هذا القول، على صحته، لا ينفي ضرورة التحضير، في سباق مع الزمن، منذ الآن لمواجهة مختلف التحديات غير المسبوقة التي ستواجه بلداننا.
أيّها السيدات والسادة،
إنّ مسألة "التحديّات الإقتصادية والإعمار والتنمية" التي إخترناها محوراً للبحث والنقاش في مؤتمرنا السنوي العربي لهذا العام، تأتي في صلب إهتمامات إتحاد المصارف العربية، منذ أكثر من سنتين، حيث قرّر مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية أن نولي هذه القضية جلّ إهتمامنا، لإستباق الأمور وتهيئة الأرضية ووضع خارطة طريق تشارك فيها مؤسسات دولية واقليمية، مع ضرورة تهيئة المجتمعات العربية التي غابت عنها التنمية وأعادتها الاحداث عشرات السنين الى الوراء نتيجة لدمار البُنى التحتية والإنسانية، وعوامل النزوح واللجوء التي أصبحت عبئاً ثقيلاً على كاهل معظم الدول الحاضنة.
أيّها الحضور الكريم،،
إنّ ما يطرحه إتحاد المصارف العربية في مؤتمره اليوم، هو التحضير لمواجهة التحديّات الإقتصادية التي تؤسّس للإعمار والتنمية. هناك من سأل، كيف نشرع بإعادة الإعمار في ظلّ عدم الإستقرار السياسي والأمني، فيما مصير المنطقة لا يزال غامضاً في ظلّ هذا الصراع المحتدم على النفوذ والمصالح الإقتصادية والاستراتيجية.
أيّها الحضور الكريم،،
الصورة قاتمة، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم من أين نبدأ؟
ولأن الإجابة صعبة عن هذا السؤال، آثر إتحاد المصارف العربية بالتنسيق مع اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، على الدعوة لمقاربة التحديات الاقتصادية المقبلة، مع متطلبات الاعمار والتنمية مع دعوة منظمات الإغاثة المحلية والإقليمية والدولية إلى عدم حصر جهودها في توفير الضروريات الحياتية والحاجات الأساسية للمتضررين، بل إلى توجيه خطط الإغاثة لتمرير مقاربات مساعدة للتنمية، عن طريق التوظيف في التعليم والصحة للملايين الذين شردتهم الحروب وحالت دون افادتهم من الحقوق الاساسية للفرد في السكن والتعليم والعمل والتطبيب، في حين أنّ على المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، والحكومات العربية، والقطاع الخاص، البدء بوضع الخطط لإعادة الإعمار، والحذر من التسويات السياسية الناقصة التي قد ترفع إحتمال عودة الصراعات في المستقبل.
إننا أمام تحديات لم يسبق لعالمنا العربي أن واجه مثلها، مما يستدعي العمل على توفير تضامن دولي ودعم مالي لا يقتصر على نشاط مؤسسات الإغاثة، إنما يتوجه الى معالجة لب المشكلة، وهو الفقر وفقدان فرص العمل وتراجع النمو وغياب الديمقراطية. فالضرورة ملّحة لنا وللأجيال الصاعدة من أجل ارساء قواعد الاستقرار اولاً، والمبادرة سريعاً الى استحداث فرص عمل لإستيعاب موجات ملايين الشباب الذين سيصل عددهم في العام 2025 الى ما يقارب الـ 58 مليون. فبدل ان تشكـّل الموارد البشرية الشابة مصدر زخم لنمو الاقتصادات العربية، باتت تشكّل تهديداً للسلم والاستقرار بسبب معدلات البطالة المرتفعة بينها. وهذا من مسببات عدم الاستقرار واختلال الكيانات السياسية، وايقاظ المطامع الاقليمية والدولية في دول المنطقة وخيراتها.
إن مؤتمرنا الذي يعقد اليوم في بيروت تحت عنوان "توأمة الاعمار والتنمية" هو مساحة للتفاكر في كل هذه التحديات. وإن المصارف العربية، وبالنظر إلى الإمكانات المالية، والبشرية والمصرفية الكبيرة التي تمتلكها، يمكنها المساهمة بشكل فعّال في تعزيز التنمية الإقتصادية ومشاريع إعادة الإعمار في الدول العربية. ويمكن أن تتجلى هذه المساهمة في عدّة وسائل، منها على سبيل المثال الدخول في شراكات مع القطاع العام، كإنشاء تكتّلات مصرفية ضخمة تتولى تمويل مشاريع البنية التحتية، أو في تلك القطاعات التي تؤدّي إلى تعزيز التنمية البشرية والإجتماعية بشكل خاص، كإعادة بناء البُنى التحية والمدارس والمعاهد والمستشفيات، والإتصالات وغيرها... .
في الواقع، إنّ التحديّات التي تواجه عالمنا العربي اليوم ليست إقتصادية وسياسية فقط، بل هي كيانية في ظلّ خلط الأوراق وتغيير الثوابت، من هنا، فإن قياداتنا ومسؤولينا في المنطقة العربية مدعوون للتعاطي مع مشهد شديد التعقيد لم تعتد عليه.
ولا يمكنني في هذا الاطار الا التوقف عند مجريات الاحداث المفاجئة والمتسارعة في لبنان، حيث كان لإعلان استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من منصبه، التأثير المهمّ على الحياة السياسية في لبنان، خاصة ان الاستقالة أتت في ظل تصعيد للصراع السياسي بين المملكة العربية السعودية وايران. اننا لا نتوقع تصعيداً للوضع في لبنان. على العكس، فإن التعاطي الحكيم مع الازمة السياسية قد يحوّل المشكلة الى فرصة لبناء توافق سياسي جديد محوره الارادة الدائمة للبنانيين بعدم الشروع في أي مغامرة سياسية كانت او أمنية؛ بالاضافة الى ذلك، فان اللبنانيين يبرهنون عن حسّ قوي بالوحدة الوطنية والاعتدال كأساس للدفاع عن لبنان الدولة والمؤسسات.
في هذا المشهد المعقّد، تواصل مصارف لبنان أداء دورها في خدمة زبائنها وتأمين التمويل للدولة وللقطاع الخاص. وقد اثبتت السياسات الحكيمة للتحوّط للأزمات والمخاطر التي انتهجها مصرف لبنان بالتعاون مع المصارف اللبنانية، الفاعلية في مواجهة كل الازمات المحيطة في لبنان والمنطقة، والتي اعتادت المصارف على التعامل معها بكفاءة ضمن اطار تقنيات ادارة المخاطر في منطقتنا واقتصاداتنا على مر السنين، في بلد تحمـّل ولا يزال انعكاسات الصراعات الدائرة من حوله، وما ينتج عنها من تداعيات اقتصادية ومعيشية، وامنية.
إنّنا ندعو من خلال هذا المؤتمر الجامع ومن خلال هذه النخبة من القيادات والخبراء أن نستخلص الأفكار ونضع الخطط لمبادرات خلاقة لا بد منها للتحضير لمرحلة إعادة الاعمار بعد انتهاء الصراع الذي لا بد من انهائه في اقرب وقت.
شكراً لإصغائكم،،