أسواق
بالأرقام.. أحداث أعادت رسم خارطة الاقتصاد العالمي خلال 2016
حفل عام 2016 بمزيج من الأحداث والقرارات المصيرية، التي أعادت رسم خارطة القوى الاقتصادية من جديد، ليدخل الاقتصاد العالمي نفق المجهول في ظل سيطرة عاملي الغموض والترقب على أداء الأسواق العالمية، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي بأسواق الدول الكبرى التي كانت تعد قاطرة النمو العالمي.
اعتبر بعض المحللين هذه الاحداث صادمة، مثل انفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي، ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات التي انهالت من قبل مؤسسات اقتصادية دولية كبرى بشأن عواقب هذا القرار على الاقتصاد الاوروبى والعالمي.
ذلك إلى جانب انتخاب رجل الأعمال والمرشح الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وترقب الأسواق المسار الذي سيتنهجه الرئيس الأمريكي الجديد وسط تصريحات مثيرة للجدل من جانبه بشان استعادة الاستثمارات الامريكية بالخارج وفرض قيود حمائية لدعم الاقتصاد الامريكى ، وأخرها استفتاء إيطاليا الذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء ماتيو رينزي بعد رفض الايطاليين التعديلات الدستورية التي تبنتها حكومته.
فيما شكلت بعض الاحداث إنجازا تاريخيا تجسد في اتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك بخفض الإنتاج للمرة الأولى منذ عام 2008 ، الذي قلب موازين أسواق الطاقة والنفط بعد تهاوي الأسعار طيلة العامين الماضيين،عقب اتفاق اللاعبين الرئيسيين فى سوق النفط .
بدأت أولى الهزات الاقتصادية هذا العام مع تصويت البريطانيين في يوم 23 من يونيو الماضي لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث استندت الدعوات المطالبة بالانفصال حينذاك على فكرة أن الخروج عن عباءة الاتحاد الأوروبي سيعيد لبريطانيا استقلاليتها بعيدا عن سلطة الكتلة الأوروبية، بالإضافة إلى تفاقم أزمة المهاجرين في ظل تدفق أعداد كبيرة على الأراضي البريطانية، مستفيدة من نظام الإعانات الاجتماعية.
كما شكل الشق الاقتصادي أيضا أحد الملفات الشائكة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، حيث طالبت حكومة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون إقرارا صريحا من قبل الاتحاد بأن العملة الأوروبية الموحدة اليورو ليست العملة الوحيدة المستخدمة داخل التكتل الأوروبي لضمان حماية المصالح الاقتصادية للدول التي لا تستخدمها ، بالإضافة إلى إعطاء ضمانات بأن بريطانيا لن تطالب مجددا بالمساهمة في حزم إنقاذ أوروبية.
وفي الوقت الذي اكتسبت الحملات الداعمة لمغادرة بريطانيا الإتحاد الأوروبي مزيد من الحشد والتأييد، توالت التحذيرات من قبل مؤسسات دولية بشأن تداعيات قرار كهذا على صعيد الاقتصاد البريطاني والتجارة العالمية ، بالإضافة إلى مستقبل الوحدة الأوروبية.
فحذر صندوق النقد الدولي من انخفاض في الدخل القومي البريطاني بنسبة 5.6% بنهاية العقد إذا صوت البريطانيون على مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدي الى انخفاض التجارة، والعمل، والإنتاج والإنتاجية والاستثمار، وانخفاض الدخل بشكل دائم، وانخفاض دائم في قيمة الجنيه الاسترليني، وارتفاع أسعار السلع المستوردة في المحلات التجارية.
كما حذر بنك إنجلترا المركزي من انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني، إذا صوت البريطانيون على مغادرة الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن الانفصال يظل أكبر خطر يواجه الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في المملكة المتحدة.
وحذر صناع القرار الاقتصادي في البنك من أن حالة الغموض التي اعقبت الاستفتاء قد تؤدي إلى تأخير في القرارات الاقتصادية الهامة بين الأسر وفي قطاع الشركات. بالاضافة إلى تباطؤ في بيع المنازل والسيارات، إضافة إلى تأجيل المعاملات العقارية التجارية والصفقات.
وجاء وقع نبأ انفصال بريطانيا كزلزال يضرب الاسواق المالية العالمية، حيث انهارت الأسواق الأوروبية فور الإعلان عن قرار الانفصال ، لتحذو بذلك حذو الأسواق الأسيوية ، فضلا عن تراجع الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له منذ العام 1985.
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن النمو الاقتصادي العالمي خلال عامي 2016 و2017 بمقدار العشر لكل عام بعد الانفصال، لافتا إلى أن بريطانيا تأتي على قائمة الدول التي تشهد أكبر تخفيض للنمو بنحو العشرين في 2016، و0,9 في المائة نقطة مئوية في 2017.
وفي أوروبا أيضا، أثار استفتاء إيطاليا حالة من القلق في أسواق المال داخل القارةالعجوز التي تخشى بعد صدمة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي وصعود الحركات اليمينية، الدخول في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار في ثالث اقتصاد في منطقة اليورو نتيجة الازمات الاقتصادية وخاصة الديون السيادية التى تشهدها العديد من الدول الاعضاء بالاتحاد ومن بينها ايطاليا والبرتغال.
إذ اضطرت حكومة ماتيو رينزي تقديم استقالتها بعد أن رفض الإيطاليون التعديلات تاركة مستقبل البلاد الاقتصادي أمام حالة من الغموض ، في ظل التباطؤ الذي يشهده ، مع قطاع مصرفي متضرر من الأزمة المالية ويعاني مشكلة ديون .
كما تراجع سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة اليورو إلى أدنى مستوى له أمام الدولار في 20 شهرا، وانخفضت بورصة ميلانو بنسبة 1,25%، فيما سجلت أسهم المصارف اتراجعا كبيرا بنسبة 6,29 %.
كذلك لم تسلم الأسواق العالمية من تداعيات فوز غير متوقع للمرشح الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية ، بعد الجدل الذي أثارته خطاباته طيلة حملته الانتخابية والتي اعتبرت عنصرية وعدائية وولدت الانطباع بأن الرئيس الأمريكي الجديد لا يمكن التنبؤ بقراراته.
فتراجعت مؤشرات الأسهم الأمريكية أكثر من 5%، بعد فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
كما تراجعت بورصة لندن نحو5% في الأسواق الآجلة قبل ساعات من بدء الجلسة. وخسرت هذه العقود 4,44%.
من جهة أخرى، هبطت أسعار النفط بشكل حاد، لاسيما أسعار الخام الأمريكي الخفيف، الذي هوى بأكثر من 4 وتراجع الدولار الأمريكي، اليوم الأربعاء، أكثر من 2 في المئة مقابل الين الياباني.
لم تغب أزمة الديون اليونانية أيضا عن المشهد الاقتصادي العالمي هذا العام ، لتأخذ منحنا جديدا سمته الأبرز الاضرابات والاحتجاجات التي بدأت منذ الشهور الأولى من العام.
فتظاهر الالاف من اليونانيين أمام البرلمان في أثينا بعد أن أقر في شهر مايو الماضي مشروع قانون يزيد الضرائب، وينشئ صندوقا جديدا للخصخصة، ويحرر بيع القروض المتعثرة مقابل قروض تحتاجها البلاد، للخروج من دوامة الأزمة المالية الحالية.
وأكدت نقابة عمال القطاع الخاص - أكبر النقابات اليونانية من حيث عدد الأعضاء - أن الإصلاحات التي يطالب بها الإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تمثل المسمار الأخير في نعش العمال وأصحاب المعاشات في اليونان.
من جانبه ، دافع رئيس الوزراء اليوناني أليكسس تسيبراس عن خطة إصلاح المعاشات والضرائب الجديدة التي أقرها البرلمان ، مشيرا إلى أن هناك حاجة إلى اتخاذ هذه التدابير للحصول على المزيد من أموال الإنقاذ الدولية، مؤكدا أن التغييرات الجديدة لن تؤثر على الغالبية العظمى من المتقاعدين كما أنها تحافظ على توفير المعاشات في البلاد.
وفي ظل مناخ اقتصادي عالمي يزداد غموضا، حرصت كيانات اقتصادية كبرى مثل مجموعة العشرين التي عقدت أحدث قمة لها بمدينة هانغتشو الصينية يومى الرابع والخامس من سبتمبر الماضي، على تعزيز التعاون بين الدول ذات الاقتصاديات الكبرى والنامية لمواجهة شبح الركود الاقتصادى والاجراءات الحمائية التى تشكل تهديدا بالغا لحرية التجارة والنمو الاقتصادى العالمى.
وبحث قادة دول المجموعة، التي تستحوذ على أكثر من 80 فى المائة من التجارة العالمية، سبل تعزيز النمو الاقتصادي العالمى، وتجنب أية أزمات مالية جديدة فى ضوء المحفزات الخمس التى أقرها وزراء تجارة المجموعة مؤخرا لمواجهة الحماية التجارية التي تنامت بشكل يثير القلق، والتى تندرج فى إطار استراتيجية للنمو التجاري العالمي تشمل خفض تكلفة التجارة، وزيادة تنسيق السياسات ودعم قرار الاستثمارات العالمية، وتعزيز تمويل التجارة، وتحفيز قطاع الخدمات، ومواجهة الحماية التجارية المتنامية.
وفى ذلك الصدد أكد الرئيس الصينى شى جينج بينج الرئيس الحالى لمجموعة العشرين على أن مجموعة العشرين سوف تدعم النظام التجارى متعدد الأطراف وتعارض السياسات الحمائية لدعم امكانيات التجارة العالمية وتحويل التراجع الحالى فى التجارة الى نمو، مشددا على أن مجموعة العشرين يجب ان تستخدم أدوات متعددة الاطراف بما فيها الاصلاحات الهيكلية والنقدية والمالية لتجنب المخاطر قصيرة المدى وتحفيز النمو الاقتصادى على المدى المتوسط والطويل.
وأشار إلى أن الاقتصاد العالمى لا يمكنه الاعتماد فقط على السياسات المالية والنقدية، لافتا إلى أن زعماء مجموعة العشرين وافقوا على تنفيذ اصلاحات بالمؤسسات الماليةو تعزيز امكانيات النمو الاقتصادى.
واتفق المشاركون فى قمة مجموعة العشرين على تعزيز التنسيق والتحرك واستخدام الوسائل المالية والنقدية المختلفة لمواجهة المخاطر سواء على المدى القصير أو الطويل و ابتكار طرق جديدة لتعزيز التنمية وتوفير القوة الدافعة للنمو، وتنمية اقتصاد الابتكار فى العالم، وهيكلية كافة المضامين الاقتصادية، ومواصلة برامج الاصلاحات الهيكلية وإزالة الاجراءات الحمائية التى تحول دون التنمية الاقتصادية والجديدة، وتعزيز الاقتصاد الرقمى وتطبيقة على نطاق واسع وتنفيذ خطة تنمية مبتكرة لمجموعة العشرين لتنمية الاقتصاد العالمى علاوة على تحسين الحوكمة المالية العالمية وبناء الية جديدة للاستثمار والتجارة.