دولى وعربى
في الذكرى الـ15 لأحداث سبتمبر.. من صنع الإرهاب؟
عشية الذكرى الخامسة عشرة لما عرف "بأحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن" يبدو العالم حتى الآن بعيدا عن حوار الثقافات المنشود بدلا من أفكار صراع الحضارات وتحويل التاريخ إلى قروح وجراح وجدران كراهية متبادلة.
فبعد 15 عاما على أحداث 11 سبتمبر الأليمة والهجمات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن لتوجع الإنسانية كلها ما زال الإرهاب يعربد على امتداد خارطة العالم ليسقط المزيد من الضحايا الأبرياء ويروع الإنسانية كلها ويثير المزيد من الشكوك والمخاوف التي تقوض جسور الحوار بين الثقافات بقدر ما تمنح المزيد من الذرائع لأعداء الحوار ودعاة صراع الحضارات على إيقاعات حشرجات القتلى.
ولئن تحدث بعض الكتاب والمعلقين على سبيل السخرية عن "مهارتنا كعرب في صنع الأعداء" ويستدعي البعض أيضا مقولة نسبت للإمام الراحل محمد عبده:"الإسلام قضية عادلة في يد محامين فاشلين" فإن لغة الحوار بين العرب والمسلمين أنفسهم تتعرض لمشاكل تضارع تلك الإشكاليات في الحوار المفترض بين العالم العربي والإسلامي وبين الغرب.
إذ يؤكد الخطاب الرسمي المصري عبر مضامين متعددة على أن أفكار وممارسات التطرف والإرهاب موجهة في الحقيقة ضد جوهر الدين الحنيف فإن هذه الظاهرة تفرض قضايا ثقافية بالدرجة الأولى فيما تلح إشكالية "صناعة الصورة الغربية الزائفة للإسلام" وحقيقة التيار الذي يقف خلف صنع هذه الصورة الزائفة مستفيدا بلا ريب من وقائع مثل الهجمات الإرهابية التي بلغت ذروة خطيرة يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وإذا كان من المفترض والمأمول أن يرتكز أي حوار بين العالم الإسلامي والغرب على مبدأ الخصوصية الثقافية وأن يكون جزءا من الحوار المنشود بين الثقافات فمن دواعي الأسف أن هناك تيارا بأكمله في الغرب الأوروبي والأمريكي هو التيار اليميني العنصري الاقصائي المتطرف يجد في الهجمات الإرهابية التي تدمي قلوب كل الأسوياء في العالم فرصة سانحة لمزيد من "شيطنة المسلمين الذين يعيشون في هذه الدول".
ولا ريب أن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" أو كراهية المسلمين والخوف المرضي منهم شهدت مدا عاليا في الغرب بعد هجمات 11 سبتمبر الأليمة الأمر الذي كان يستدعي في المقابل جهدا ثقافيا عربيا-إسلاميا للتعامل مع هذا المشهد وصياغة أفكار مشتركة تعزز الجهود الرامية إلى تأكيد حقيقة أنه ليس هناك تعارض بين الإسلام ومؤسسات الدولة الحديثة ونبذ الصورة السلبية للإسلام والمجتمعات الإسلامية خارجها.
وفيما تشكل "لغة ومفردات جماعات التطرف والإرهاب وخطابها التكفيري الاستئصالي" عقبة لا يجوز التقليل من خطورتها على صورة المسلمين وتصورات الغرب عنهم فغني عن القول أن ثمة حاجة للتركيز على الجوانب الفكرية والثقافية لدحض الأفكار الظلامية للتنظيمات الإرهابية من خلال تعظيم دور الأزهر الشريف ونشر قيم ومباديء الإسلام السمحة والوسطية والمعتدلة جنبا إلى جنب مع بحث سبل مواجهة ظاهرة "الاسلاموفوبيا" التي تجتاح بعض الدول جراء المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والتي تغذيها ممارسات إرهابية ناجمة عن أفكار متطرفة تجافي جوهر الإسلام.
ولظاهرة "الإسلاموفوبيا" انعكاساتها السلبية المباشرة على المسلمين الأبرياء الذين يعيشون في دول الغرب فيما يتعرض بعضهم لاعتداءات دون مبرر سوى تلك "الصورة الذهنية السلبية الناجمة عن ممارسات ولغة ومفردات الخطاب التكفيري الاستئصالي لجماعات التطرف والإرهاب التي تقسم العالم إلى فسطاطين".
وفي مواجهة هذا الخطاب يكون من المفيد الإشارة لحقيقة مثل أن بعض أفضل الأطروحات الجامعية ورسائل الدكتوراه لباحثين في قضايا تتصل بالخطاب الديني الإسلامي والقضايا التي تهم المسلمين نوقشت اصلا في جامعة السوربون بباريس وغيرها من كبريات جامعات الغرب كرسالة الدكتوراه للامام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الراحل الدكتور عبدالحليم محمود وكانت في التصوف الإسلامي عن موضوع "أستاذ السائرين: الحارث بن أسد المحاسبي" ومن الطريف والدال على تنوع اهتماماته الثقافية أن أول مانشره قصة ترجمها عن الفرنسية من تأليف اندريه موروا.
كما ارتبط شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب بعلاقات علمية وثيقة مع هذه الجامعة الفرنسية واساتذتها الكبار وكذلك كان الحال في رسالة الدكتوراه لعلم آخر من إعلام الأزهر وهو العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز والذي حصل على الدكتوراه في فلسفة الأديان من السوربون عام 1947وكانت الرسالة من شقين احدهما "مدخل إلى القرآن الكريم" بينما شقها الثاني حول دستور الأخلاق في القرآن الكريم.
والدعوة لمزيد من الاهتمام الثقافي بقضية" صناعة الصورة الغربية الزائفة التي تجعل الإسلام إرهابا" ينبغي أن تأخذ في اعتبارها أن هذه الصناعة الغربية "تقوم عليها اليوم مؤسسات وخبراء" فيما استباح المنخرطون فيها عبر التاريخ "كل المحرمات الأخلاقية وتعدوا كل حدود اللياقة".
من هنا يكون السؤال الطبيعي: "هل هؤلاء الذين ينشرون الاساءات المتكررة للإسلام كدين ولنبي الإسلام العظيم يسعون عمدا وبنية مبيتة لاستثارة استجابات عنيفة من جانب اشخاص يدينون بالإسلام ثم تصوير هذا الدين ذاته بأنه دين العنف والإرهاب"؟!!.
ولاريب أن المستفيد الحقيقي من وضع كهذا هو التيار التكفيري الاستئصالي كما تعبر عنه جماعات التطرف والإرهاب فضلا عن التيار الاقصائي العنصري المتطرف والمعادي للإسلام كدين بقدر مايناهض الثقافة العقلانية الغربية المرحبة بالتنوع والحوار والتي تعلي من قيم الحرية والاخاء والمساواة والتسامح وقبول الآخر.
ومن تجليات عدم اللياقة والتجاوز في حق ثوابت عقيدية للمسلمين أن تقوم صحيفة الجارديان البريطانية مؤخرا بنشر موضوع في حيز كبير عن شخص إيراني الأصل يدعى قدير عبد الله ليتحدث عن قيامه "باعادة كتابة القرآن"!.
وهذا الشخص الذي التقته صحيفة الجارديان يقول إنه لم يقرأ القرآن ابدا الا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والهجمات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن وهكذا قرر أن يكتب قرآنا جديدا وان يغير الأوامر والنواهي القرآنية ثم أنه قرر أن يتدخل بالحذف والإضافة في قرآنه الجديد!.
والمؤسف حقا أن يجد مثل هذا الشخص منابر ثقافية وإعلامية وصحفية في الغرب مثل صحيفة الجارديان تهتم به وبمزاعمه وهرطقاته وتفسح مجالا للبهتان الذي يمارسه ويشكل في الحقيقة جريمة في حق كل المسلمين ثم أنه يتنافى مع أي مقاصد جادة لحوار طال الحديث عنه بين العالم الإسلامي والغرب!.
فالحوار المطلوب والمنشود لايعني أبدا الضرب في صميم عقيدة يؤمن بها الكثير من سكان هذا العالم تماما كما أن حرية البحث تختلف كثيرا عن ممارسة العدوان على الأديان والعقائد التي يؤمن بها ملايين وملايين البشر، وهكذا يبدو المشهد احيانا وكأن البعض في الغرب يسعى سعيا لتوليد أسباب جديدة للتطرف !.
ومع الإدانة بلا تحفظات وبأقوى العبارات للاعتداءات الإرهابية في كل مكان وزمان فقد يكون المهاجرون من المسلمين لأوروبا الأكثر الما حيال الحملات المتكررة من الإساءة لدينهم وقد يكون من الصعوبة بمكان اقناعهم بأن هذه الإساءات المتكررة والجارحة لمشاعرهم الإيمانية يمكن أن تدخل في باب حرية الصحافة أو الإبداع كما يردد بعض المدافعين عن تلك الاساءات التي لايمكن بأي حال من الأحوال قبولها من جانب جموع المسلمين فضلا عما تسببه من أضرار فادحة لأي حوار أو تفاعل ثقافي إيجابي بين الحضارات.
ويبدو أن منابر الثقافة ووسائط الإعلام والصحافة الأوروبية عليها في هذا السياق استعادة مقولة أن "حرية التعبير لاتعني الاستهزاء بالأديان" والاستخفاف المستفز للمشاعر الايمانية لمئات الملايين من البشرفي هذا العالم والتأكيد على أن "حرية التعبير" لاتعني العدوان على ثوابت ايمانية لشعوب بأكملها تنتمي لثقافات أخرى غير الثقافة الأوروبية بذريعة "حرية التعبير في الثقافة الأوروبية"؟!.
وفيما اثارت نظرية "صراع الحضارات" للمفكر الأمريكي صمويل هنتجتون جدلا مريرا منذ طرحها عام 1993 واعتبرت ضارة بالعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي هاهو رئيس الوزراء الاسترالي السابق وزعيم الحزب الليبرالي توني ابوت يجهر بالقول بأن " الثقافات والحضارات ليست متساوية" وعلى الغرب إعلان تفوقه على الثقافة الإسلامية التي ذهب إلى انها "ثقافة تبرر القتل باسم الله".
وربما تكمن خطورة طرح هذا السياسي الإسترالي في أنها تعبر عن اتجاه غربي متطرف ينزع نحو الخلط الواضح والعمدي بين ممارسات إرهابية مرفوضة لجماعات تروع المسلمين قبل غيرهم وبين الإسلام ذاته كدين والطعن في صميم جوهره وتصويره بأنه يشكل خطرا جسيما على الحضارة الغربية فضلا عن تكريس فكرة "التفوق الثقافي أو الديني لمجموعة بعينها من البشر في العالم".
وكان رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني قد ذهب بدوره إلى أن "الحضارة الغربية متفوقة على حضارة العالم الإسلامي" وقال:"يجب أن نعي حقيقة تفوق حضارتنا الغربية التي تتكون من نظام قيم منح الشعوب رخاء واسعا في دولنا ويحترم حقوق الإنسان والديانات أكثر من العالم الإسلامي الذي تنتفي فيه هذه القيم".
وإذ ينبغي التأكيد على أن "الغرب ليس واحدا ولايمكن وضعه ككل في سلة واحدة" لأن هناك تيارات أخرى تختلف مع هذا التيار الاستعلائي والاقصائي مثلما هو الحال في الشرق يتعين القول أيضا في سياق الاضاءة الثقافية الواجبة يبدو جليا أن هذا "التيار القديم الجديد" بمنابعه الفكرية الاقصائية العنصرية يفعل افاعيله في الثقافة الغربية.
ويمكن القول إنه "يسرطن أي حوار جاد وهادف بين الإسلام والغرب بقدر مايستهدف بشروره المسلمين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عبر توجهات ساسة يمينيين متطرفين" ناهيك عما دفعه العالم العربي من ثمن باهظ لأفكار ونظريات بعض الساسة في الغرب مثل "نظرية الفوضى الخلاقة" التي ثبت أنها تشجع التطرف والإرهاب الذي يشكو منه الغرب للمفارقة!.
وإذ تتوالى المشاهد الاقصائية العنصرية في السنوات الأخيرة بالغرب فإن كتابا مثل كتاب "رضوخ" الذي صدر في قالب روائي بقلم الكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك حافل بالعداء للإسلام ويعزف على وتر التخويف من هذا الدين واتباعه رغم أنه يظهر جهلا واضحا به بينما تمضي "الجبهة الوطنية" بزعامة مارين لوبن قدما في خطابها اليميني المتطرف والمعادي للمسلمين بدعوى التصدي "لعملية اسلمة فرنسا" التي يحذر منها ويلبيك في روايته.
فهناك تيار له شأنه تاريخيا وحتى راهن اللحظة في الغرب الأوروبي يتحرك ضد الإسلام كدين والمسلمين كبشر فهو يرى من منظوره المزور للحقائق والتاريخ أن الإسلام دين رجعى عصى على التغيير وهو مايتجلى مثلا في كتاب لكريستوفر كالدويل عنوانه "تآملات حول الثورة في أوروبا:الهجرة والإسلام والغرب".
وفي هذا الكتاب بذل كالدويل جهدا كبيرا واحتشد لنصرة قضيته وفرض الافتراضات وخاض في لجة من المصادر والمراجع والاحالات مابين احصاءات حكومية وارقام رسمية ودراسات مسحية مجتمعية وتقارير لمراكز البحوث وروايات ادبية وقصص صحفية بلغات شتى تجاوزت الثمانى لغات.
غير أن الجبل كما يقولون تمخض عن فأر فاذا بالنتائج النهائية لهذا العمل سطحية وغير مدعومة بأدلة متماسكة يمكن أن يعتد بها فيما عمد كريستوفر كالدويل لانتقاء معطيات أو وقائع واحالات بعينها لدعم افتراضه الاساسى آلا وهو:"أن الإسلام كدين قائم على الايمان والتسليم هو الضد من أوروبا القائمة على الشك والتساؤل".
فالكتلة الكبيرة من المهاجرين المسلمين في أوروبا تهدد في نظره الثقافة الأوروبية الأصيلة المرتكزة منذ عصر التنوير على السؤال والشك ولم يتردد كالدويل في الافصاح عن توجسه وكراهيته للمهاجرين المسلمين على وجه الخصوص بالمقارنة مع غيرهم من المهاجرين سواء كانوا من السيخ والهندوس والآفارقة غير المسلمين فضلا عن القادمين من منطقة الكاريبى.
وهكذا تجاهل الكاتب الأمريكي كريستوفر كالدويل بصورة معيبة حقا كل النصوص الإسلامية التي تحض على السؤال والتساؤل وتعلى من حرية العقل والفكر فيما لم يخف شعوره بالقلق من انتماء الكثير من المهاجرين في دول أوروبية للإسلام.
كما درج التيار الاقصائي العنصري في أوروبا بعد كل حادث يتورط فيه اشخاص يدينون بالإسلام بدول القارة العجوز على المطالبة "بتطهير أوروبا من الغرباء الذين لايمكن الاطمئنان لقبولهم القيم الأوروبية في الحياة".
وبقدر ما يشكل صعود "ظاهرة الشعبوية" مشكلة ثقافية-سياسية بحاجة للدراسة والفهم فان الظاهرة التي تتجلى في الغرب كما في الشرق تكتسب خطورة بالغة عندما تقتحم عقائد الآخرين واديانهم أو تحاول التلاعب في تناولها كما هو الحال في كتاب صدر لجلين بيك بعنوان:"هذا عن الإسلام:كشف الحقيقة عن داعش والقاعدة وإيران والخلافة " وتجلت فيه كل مظاهر الديماجوجية والشعبوية عندما خلط جلين بيك بين الإسلام والإرهاب وكأنهما شيء واحد.
ففي هذا الكتاب الذي احتل مكانة متقدمة في قوائم اعلى مبيعات الكتب بالولايات المتحدة والغرب عموما يسعى جلين بيك لتقصي مايصفه بجذور التطرف الإسلامي في تعاليم المسلمين فيما وجد من يهلل له في الغرب ويروج للكتاب باعتباره "الكتاب الدليل" لفضح "افتراضات امست اقرب للحقائق الراسخة عن الإسلام " !.
وإذا كان جلين بيك محقا عندما يتحدث في هذا الكتاب الجديد عن "برابرة داعش" و"التكتيكات الإرهابية للقاعدة والجماعات المنبثقة عنها" كما أن له الحق في أن يطرح وجهة نظره المحذرة بشدة من "مخاطر إيران النووية" رغم الاتفاق النووي الأخير بين إيران والغرب وكذلك "التأويلات المتشددة للإسلام" ولكن السؤال الكبير:"هل لديه الحق في النيل من صميم العقيدة التي يؤمن بها مئات الملايين من البشر في شتى أنحاء العالم.
ليست المشكلة ولا من الخطأ والخلط أن يقول جلين بيك أن التأويلات المتشددة للإسلام تهدد أرواح ملايين البشر غير أن عين المشكلة أن يعمد هذا الشعبوي الأمريكي بدوره للتأويل والمصطلحات المراوغة والمضللة وأن يذهب إلى أن الخطر يكمن في صلب العقيدة الإسلامية ذاتها ليكون كل مسلم بمقتضى تلك الرؤية الخاطئة والمزيفة للوعي هو إرهابي إلى أن يثبت العكس!.
وهاهو يقول في كتابه الجديد أن الصراع مع داعش والقاعدة وإيران لن ينتهي حتى "نواجه الحقيقة بشأن هؤلاء الذين يجدون الهامهم ومبرراتهم في الدين ذاته" وهاهو يورد آيات من القرآن العظيم وأحاديث لنبي الإسلام الكريم مع أقوال قادة جماعات متطرفة وإرهابية مثل داعش والقاعدة والإخوان في سبيل إثبات افتراضه السيء حقا آلا وهو:المساواة بين أصل الدين الإسلامي كما يجسده القرآن والأحاديث النبوية وبين جماعات التطرف والإرهاب.
ومن نافلة القول أن تلك الجماعات المتطرفة والإرهابية التي روعت العرب والمسلمين قبل غيرهم في هذا العالم والتي تبدو كأدوات جهنمية حافلة بالشرور هي التي تمنح الفرصة لمثل جلين بيك ليحاول إثبات افتراضه المريض في المساواة بين الإسلام والإرهاب وهو يتناول "الدوافع الفقهية القاتلة لجماعات الإرهاب".
ولئن ذهب البعض في الغرب من المتحمسين لجلين بيك إلى أنه "يسمي الأشياء بأسمائها" فالحق من منظور نقدي منصف وعادل أنه "يلوي عنق الأشياء لإثبات مالا يمكن إثباته" أي افتراضه الضال الذي يرمي للمساواة بين الإسلام والإرهاب..فهل تنجح الافتراضات الضالة والمضللة للشعبويين في كتابة صفحة جديدة في سجل الكراهية مع ذلك الصعود لظاهرة دونالد ترامب الشعبوية بكل ماتثيره من قلق وجدل ثقافي في كل مكان ؟!.
وجاءت الدعوة التي أطلقها السياسي والملياردير الأمريكي دونالد ترامب لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة لتشكل حلقة جديدة في مسلسل "الاسلاموفوبيا" أو ظاهرة الرهاب والخوف المرضي في الغرب من المسلمين وكراهيتهم.
وهذه الدعوة التي جاءت بعد هجمات إرهابية في فرنسا وحادث إرهابي آخر في الولايات المتحدة تمثل قوة مضافة للتيار اليميني العنصري المتطرف وتصب في صالح جهود هذا التيار لاقصاء الوجود الإسلامي في الغرب وشيطنة المسلمين ككل واختلاق صورة زائفة للإسلام بقدر ماتغذي تلك الهجمات الإرهابية ظاهرة "الاسلاموفوبيا" وتخدم التيار الاقصائي العنصري.
وهذا التيار الإقصائي العنصري في الغرب له تاريخه الممتد وتقاليده ورموزه مثل أرنست رينان وهيلير بلوك وبرنارد لويس وصمويل هنتنجتون فيما لايخفي البعض رغبته في حروب بين الحضارات والثقافات لإثبات تفوق الحضارة الغربية بقدر ما يمنح الإرهاب المزيد من الذرائع والحجج لهذا التيار.
وهكذا يبدو المشهد بعد 15 عاما من الهجمات المدانة بنيويورك وواشنطن مثيرا لكثير من القلق والتوجس لأنصار التفاهم عبر الحوار الحضاري وعلى اسس عقلانية من احترام الآخر والاعتراف به..بعد 15 عاما من احداث اليمة ابكت كل اصحاب الضمائر الحية في كل مكان مازال العالم بحاجة لحوار أكثر جدية لمواجهة التطرف والإرهاب وأفكار الاستعلاء العنصري والاستئصالي.
نعم قبيل ساعات من الذكرى الأليمة ما زال البشر شرقا وغربا بحاجة لاعلاء قيمة العقل وأهمية التسامح ومد الجسور الثقافية للحوار من أجل عالم افضل بعيدا عن "ثقافة التربص" وإيقاعات اللغة المتكبرة وأفكار صراع الحضارات والدعوات المسعورة هنا وهناك على ضفاف الدم وتضاريس الكراهية والأفكار الظلامية والاستعلائية والاستئصالية!.