بترول وطاقة
رويترز : الخليج يستعد مبكرًا لمرحلة ما بعد آخر قطرة نفط
رصد خبراء اقتصاديون حاجة دول مجلس التعاون الخليجي إلى ضرورة الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، لا سيما مع زيادة الضغوطات على موازناتها العامة، التي تعتمد بشكلٍ رئيسي على العوائد النفطية.
وتشكل عائدات النفط لدول مجلس التعاون الخليج يوالذي يضم كل من " السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين، وعمان" ، 49% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن التراجع في أسعار الخام سيؤثر اقتصاديًا عليها برغم ما تحتفظ به من احتياطيات مالية ضخمة.
وهبطت أسعار النفط الخام بنسبة 68% ، من 120 دولارًا للبرميل في منذ يوليو 2014 إلى مستويات 40 دولارًا في الوقت الحالي، تزامنًا مع تراجع معنويات الاقتصادات الناشئة والمتقدمة كالصين، وروسيا، ودول منطقة اليورو.
وتعاني بعض بلدان الخليج من اختلالات كبيرة في هياكل اقتصاداتها، نتيجة اعتمادها على النفط كموردٍ رئيسي للدخل، الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي إلى إطلاق تحذيرات بضرورة إنجاز التنويع في اقتصاداتها لمعالجة هذه الاختلالات، الذي من شأنه إخراجها من تحت رحمة التطورات في أسواق النفط.
وقال الخبراء، في تصريحات، إن جميع الحكومات الخليجية بدأت طريقها نحو اتخاذ إصلاحات اقتصادية غير مسبوقة تتضمن تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، ولكن تطبيق مثل تلك الإصلاحات الصعبة يحتاج لمزيدٍ من الوقت، وجني ثمارها قد يستغرق عدة عقود.
وتعتزم السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد خليجي إعلان خطة شاملة لإعداد المملكة لعصر ما بعد النفط في 25 أبريل، تشمل الكثير من البرامج التنموية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من البرامج، حسب تصريحات ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مؤخرًا لشبكة "بلومبرج".
وكشفت الإمارات في يناير عن خطتها لعصر ما بعد النفط، التي من شأنها تنويع الاقتصاد الوطني وتحقيق توازن بين قطاعاته، وبما يضمن استدامته للأجيال القادمة.
وأعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، في نوفمبر 2015، أن الإمارات بدأت استعداداتها المبكرة لوداع آخر قطرة نفط في هذا البلد، الذي يتجه استراتيجيًا نحو مصادر الطاقة المتجددة، بخطةٍ كبرى تناهز قيمتها 82 مليار دولار.
وقال عبد الواحد الحميد، الخبير الاقتصادي السعودي، إن فكرة اقتصاد ما بعد النفط مطروحة خليجيًا منذ عقود، ولكن لم يتم اتخاذ خطوات جادة سوى خلال الأشهر الأخيرة فقط نتيجة تزايد الضغوطات على الموازنات العامة.
فيما سجلت بعض دول الخليج عجزًا في موازناتها لأول مرة، وبعضها لجأ للاقتراض علاوة على السحب من الاحتياطيات الدولية، وهو ما دفعها إلى تبني برامج تقشفية في موازناتها العامة من خلال خفض الإنفاق وإصلاح منظومة دعم الوقود وتنفيذ سياسات اقتصادية مثل، برامج الخصخصة وتحرير بعض القطاعات وفتحها أمام المستثمرين المحليين والأجانب.
وأضاف الحميد أن الخطوات الأولى تم اتخاذها مدعومة بإرادة سياسية، ومن المتوقع مواصلة العمل من أجل تنويع مصادر الدخل لضمان الاستدامة في النمو الاقتصادي .
ويعد الاقتصاد الإماراتي الأكثر تنوعًا لناحية مصادر الدخل بين دول مجلس التعاون الخليجي، ويساهم النفط في 30% من اقتصاد الامارات، بينما كانت تمثل 90% في سبعينات القرن الماضي، وكانت الإمارات أول دولة خليجية تتخذ في يونيو الماضي قرارًا بتحرير أسعار الوقود.
ودخلت السعودية مرحلة التنويع الاقتصادي، منذ نحو عقدين، مستفيدة من قاعدة استثمارية صناعية بحجم 150 مليار دولار، فيما اتخذت مطلع هذا العام تدابير غير مسبوقة لخفض الدعم عن المشتقات النفطية، منها تعديل أسعار الطاقة المحلية وتعريفة استهلاك الكهرباء.
وأشار الخبير الاقتصادي السعودي أن توجه السعودية لزيادة حجم صندوقها السيادي، والدخول في استثمارات تصل لتريليوني دولار خطوة جيدة نحو اقتصاد ما بعد النفط.
وتعتزم السعودية الإعلان عن أكبر تحول في السياسة الاقتصادية في أكثر من 10 سنوات، يتضمن بيع حصص في شركات حكومية كبرى، مثل عملاق النفط أرامكو، وفتح الاستثمارات لتطوير الأصول غير المستغلة كالحيازات الكبيرة من الأراضي والثروات في قطاع التعدين، فضلًا عن تحويل أجزاء من منظومة الرعاية الصحية الحكومية إلى شركاتٍ تجارية.
وقال عاصم طاهر عرب، الخبير الاقتصادي، إن تفاقم أزمة أسعار النفط يستدعي وضع خطط عملية لمرحلة ما بعد النفط في الخليج، ومن الواضح أن الفترة الراهنة تتسم برؤية اقتصادية طويلة الأجل.
وأضاف عرب، وهو أستاذ للاقتصاد بجامعة الملك سعود، إن جميع دول الخليج بدأت تأخذ مسارها نحو اتخاذ إصلاحات اقتصادية جدية وغير مسبوقة نحو تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، ولكن تطبيق تلك الإصلاحات الصعبة يتطلب المزيد من الوقت وجني ثمارها يستغرق عقود طويلة.
وأوضح عرب أن قطاعات الصناعة والسياحة والتجزئة والطيران تعتبر إحدى أهم الركائز الهامة لدول الخليج للاعتماد عليها في مرحلة اقتصاد ما بعد النفط.
ومن جهته، قال عدنان الدليمي الخبير الاقتصادي الكويتي إن تخلي دول الخليج عن الاعتماد على الخام وتهيئة اقتصادها لعصر ما بعد النفط لن يكون بالأمر اليسير، ويتطلب المزيد من الوقت خصوصًا أن هذه الدول قد اعتمدت على النفط بنسب قد تتجاوز الـ 80% من اقتصادياتها.
فيما تعتبر الكويت، الأكثر اعتمادًا بين دول مجلس التعاون على القطاع النفطي، ويشكل نحو 85% من إجمالي الناتج المحلي، فيما شكلت الإيرادات النفطية أكثر من 83% من إجمالي إيرادات السعودية.
وتعتمد قطر على 70% من الإيرادات المالية من جراء بيع النفط والغاز، وفي البحرين وسلطنة عمان، البلدين الأفقر لجهة الموارد النفطية بين دول مجلس التعاون الخليجي، تصل العوائد النفطية نحو 25% من الناتج المحلي في الأولى و50% لدى الثانية.
وأضاف الدليمي تحتاج دول الخليج إلى مراجعة فعلية لبناء اقتصادات لا يشكل النفط فيه عمودها الرئيسي، كما كان الحال على مدار العقود الماضية.
وطالب الخبير الاقتصادي الكويتي، الحكومات الخليجية بضرورة زيادة إستثمارات القطاعين الخاص والأجنبي في قطاعات لا ترتبط بالطاقة مثل الصناعة، والنقل، والخدمات المالية، والصحة، والتعليم، والسياحة المرتبطة بنشاطات الأعمال.