دولى وعربى
هولندا تتسلم رئاسة الاتحاد الأوربي من "لوكسمبورج"
تتسلم هولندا اليوم الجمعة، الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر خلفا للوكسمبورج، في وقت تواجه فيه القارة الأوروبية تحديات صعبة وغير مسبوقة تهدد استقرارها وتنذر بمخاطر جادة على مستقبل الاتحاد.
وبرئاسة هولندا، تبدأ ثلاثية جديدة لرئاسة الاتحاد الأوروبي تضم ثلاث دول تتناوب على الرئاسة خلال الــ 18 شهرا القادمين، وتضع برنامجا للعمل المشترك لتحقيق أهداف طويلة المدى، ما يضمن الاستمرار والفاعلية، وهذه الثلاثية هي هولندا وسلوفاكيا والمجر.
ورغم أن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي قد فقدت الكثير من صلاحياتها بعد سلسلة التعديلات التي أدخلت على معاهدة لشبونة خلال السنوات الأخيرة، غير أنها لا تزال تتمتع باختصاصات مهمة ومحورية على صعيد الاتحاد مثل ترؤس كافة الاجتماعات الوزارية، وعقد الصفقات التشريعية التي تدفع عجلة الاتحاد، فضلا عن لعب دور الوساطة في الاتفاقات بين الدول الأعضاء والمساهمة في بلورة وصياغة السياسات العامة للاتحاد.
وتضع هولندا قضية الهجرة على رأس أولوياتها خلال فترة رئاستها للاتحاد الأوروبي، فقد شهد عام 2015 تدفقا كثيفا في موجات اللاجئين القادمين إلى أوروبا والذين وصل عددهم إلى نحو مليون لاجئ، وهو عدد غير مسبوق في تاريخ القارة الأوروبية، لذلك حرصت هولندا على أن تحتل هذه القضية أولوية قصوى على الأجندة الأوروبية لتأمين الحدود الخارجية ومنع أي محاولة تسلل إرهابي خلال عمليات تدفق المهاجرين.
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة الهولندية أنها ستوفر مزيدا من الأموال للبلديات للمساعدة في استيعاب المهاجرين الذي حصلوا على حق اللجوء، وإيجاد حلول لإلحاق الأطفال بالمدارس، كما أنها ستوفر 24 ألف مكان لمن حصلوا على اللجوء على أن يتم إيجاد 42 ألف و500 مكان إضافي لطالبي اللجوء.
كما تضع هولندا على أجندة أولوياتها قضايا أخرى مثل خلق فرص للعمل، والحد من معدلات البطالة المتصاعدة أوروبيا، وضرورة تحقيق استقرار مالي وتعزيز منطقة اليورو، فضلا عن دعم السياسات المناخية وعلى رأسها تفعيل اتفاق باريس للمناخ على المستوى الأوروبي والذي تم تبنيه في 12 ديسمبر 2015.
ويلاحظ من برنامج الرئاسة الهولندية أنها ستركز بالأساس على القضايا التي تشغل اهتمام المواطن في المقام الأول، مثل تعزيز الأمن وتحقيق النمو الاقتصادي، كما ستولي اهتماما كبيرا بالقضايا التي يمكن للدول الأعضاء أن تتناولها داخليا مثل قضايا الصحة والتعليم والضرائب، ويرجع ذلك إلى الرغبة في تعزيز التقارب بين الاتحاد الأوروبي والمواطنين في وقت تزايدت فيه التساؤلات حول جدوى الاستمرار داخل الاتحاد.
ومن ضمن القضايا التي توليها الرئاسة الهولندية أهمية قصوى على أجندتها مسألة استفتاء بريطانيا للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، والذي من المزمع القيام به في يونيو 2016، كما أعلن رئيس الوزراء الهولندي مارك روتا أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد لا يعتبر أمرا جيدا لجميع الدول الأعضاء، وأنه ليس واثقا من إمكانية التوصل إلى اتفاق يتيح تفادي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل نهاية العام بالنظر إلى صعوبة تنفيذ بعض المطالب التي اقترحها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، من بينها إلغاء المساعدات الاجتماعية للمهاجرين الأوروبيين خلال السنوات الأربع الأولى في المملكة المتحدة.
وتعتبر هولندا من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، حيث كانت ضمن الدول الموقعة على الاتفاقية المؤسسة للاتحاد عام 1958، ودخلت نطاق الشنجن منذ مارس 1995، كما أنها انضمت إلى منطقة اليورو في يناير 1999، وتعد هذه هي المرة الثانية عشرة التي تتولي فيها هولندا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي حيث تولت هذا المنصب 11 مرة في الفترة من 1960 حتى 2004.
تأتي رئاسة هولندا للاتحاد الأوروبي خلفا للوكسمبورج التي اتفق فريق واسع من المراقبين على أن حصاد رئاستها للاتحاد كان حصادا إيجابيا بدرجة كبيرة بالنظر إلى التحديات التي واجهتها خلال النصف الثاني من عام 2015، فقد شهدت فترة رئاسة لوكسمبورج حدثين غاية في الأهمية على الساحة الأوروبية، الأول هو تفاقم أزمة المهاجرين القادمين إلى أوروبا والثاني هو اعتداءات باريس الإرهابية التي وقعت في 13 نوفمبر الماضي وأثرت تأثيرا مباشرا على عمل الرئاسة في لوكسمبورج.
وألزمت هذه الأحداث لوكسمبرج باتخاذ تدابير طارئة على الصعيد الأوروبي لمراقبة الحدود وحمايتها ومحاولة تبني استراتيجية توافقية بين الدول الأعضاء ومكافحة التيارات المتطرفة، وعقدت عدة اجتماعات استثنائية لمواجهة هاتين الأزمتين.
إلى جانب ذلك، نجحت رئاسة لوكسمبورج في إدارة عدة ملفات على صعيد الداخل الأوروبي، فقد لعبت دورا حاسما في التوصل إلى اتفاق لتبني التشريعات اللازمة من أجل تلبية احتياجات وتطلعات المواطنين الأوروبيين، منها على سبيل المثال تعديلات على مشروع موازنة الاتحاد لعام 2016 وإصلاحات محكمة العدل الأوروبية والتوصل لاتفاق يسمح بإنشاء سجل مشترك لركاب الطائرات في الأجواء الأوروبية.
كما ساهمت لوكسمبورج بفاعلية في تمثيل الاتحاد الأوروبي خلال مؤتمر باريس للمناخ "كوب 21" الذي عقد في ديسمبر الماضي ولعبت دورا واضحا في التنسيق بين الدول الأعضاء من أجل التوصل إلى اتفاق تاريخي لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.