دولى وعربى
"هزيمة تاريخية" لليمن المتطرف في الانتخابات الإقليمية الفرنسية
أثارت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الإقليمية بفرنسا، جدلًا بالأوساط السياسية الفرنسية، بعد أن أخفق حزب الجبهة الوطنية "يمين متطرف"، في الفوز برئاسة أي إقليم من الأقاليم الثلاثة عشر، رغم تقدمه التاريخي في الجولة الأولى في الوقت الذي تصدر فيه حزب الجمهوريين اليميني النتائج بعد فوزه برئاسة سبعة أقاليم مقابل خمسة أقاليم لليسار بينما فازت قوى محلية بإقليم كورسيكا.
ومثلت هذه النتائج ضربة قاسمة لليمين المتطرف الذي كان يتوقع أن يحقق فوزا تاريخيا خلال تلك الانتخابات بعد النجاح غير المسبوق الذي أحرزه في الجولة الأولى بفوزه في ست مناطق من أصل 13 منطقة، وحصوله على أعلى نسبة أصوات (28%) متقدما على حزب الجمهوريين (27%)، والحزب الاشتراكي الحاكم (23.5%).
وردا على هذه النتيجة الصادمة، قرر الحزب الاشتراكي خلال الجولة الثانية الانسحاب من إقليمين لصالح مرشحي اليمين ليقطع الطريق أمام الجبهة الوطنية في الفوز برئاسة أي إقليم وهو ما تحقق بالفعل حيث منيت مارين لوبن زعيمة الجبهة بهزيمة ساحقة أمام منافسها الجمهوري كازافييه برتران في إقليم بادو كالييه في الشمال.
كما خسرت مرشحة الجبهة ماريون ماريشال لوبن، التي تنتمي لأسرة مارين لوبن، أمام المرشح في إقليم بروفونس ألب كوت دازور الواقع في الجنوب، بينما مُنى مرشح الجبهة فلوريان فيليبو، الذراع اليمين للوبن، بهزيمة في منطقة ألزاس شامباين أردين لورين الواقعة شرق البلاد.
ويرجع المراقبون هزيمة الجبهة إلى ارتفاع نسبة المشاركة خلال الجولة الثانية حيث بلغت نحو 58.5% بعدما كانت 49% خلال الجولة الأولى بفضل قرار الكثيرين التخلي عن صمتهم الانتخابي، والمشاركة بإيجابية في الانتخابات للتصدي لخطر اليمين المتطرف فضلا عن قيام عدد كبير من الناخبين بإعطاء أصواتهم إلى مرشحي اليمين بعد انسحاب اليسار.
وينظر الكثيرون إلى نتائج هذه الانتخابات الإقليمية باعتبارها مقياسا أخيرا لتوجهات الناخبين الفرنسيين في انتخابات الرئاسة عام 2017، ومؤشرا قويا على وزن القوى السياسية المختلفة في فرنسا.
ويختلف المراقبون حول قراءة المشهد السياسي الفرنسي في الوقت الراهن، وتحديدا موقف اليمين المتطرف، فمن جهة يرى الفريق الأول أنه رغم هزيمة الجبهة الوطنية، وعدم فوزها برئاسة أي مجلس من المجالس الثلاثة عشر غير أنها تمكنت من تحقيق "نصر نسبي" خلال هذه الانتخابات، فقد سجلت أرقاما قياسية في أعداد المصوتين لها والذي بلغ 6,710,000 صوت محطمة بذلك الرقم القياسي الذي حصلت عليه في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة 2012 بزيادة تصل إلى 300 ألف صوت، ونجحت في توسيع قاعدتها الجماهيرية وزادت شعبيتها بصورة غير مسبوقة، وتمكنت من أن تصنع لنفسها وزنا سياسيا بارزا لتصبح القوة السياسية الثالثة داخل البلاد وقوة المعارضة الأولى على مستوى الجمهورية.
كما نجحت الجبهة خلال هذه الانتخابات في زيادة عدد أعضائها في مجالس الأقاليم من 118 إلى 350 عضوا وهو ما ضمن لها شعبية واسعة تسمح لها بالترشح لانتخابات الرئاسة عام 2017 بكل سهولة.
ويرى هذا الفريق أن الجبهة الوطنية نجحت في استغلال إخفاقات الحكومة الاشتراكية وتفاقم المشكلات التي يعاني منها الشعب الفرنسي لتعزز من شعبيتها وتحشد أعدادا كبيرة من الأصوات.
وأولى المشكلات التي لعبت عليها الجبهة الوطنية هي البطالة، فقد بلغت معدلات قياسية في عهد الحكومة الاشتراكية ولم تنجح أي من السياسات المتبعة في وضع حد لها.
وجاءت هجمات باريس الإرهابية، التي وقعت في الثالث عشر من الشهر الماضي، لتقدم للجبهة الوطنية فرصة ذهبية لتأكيد صحة خطابها العدائي ضد المهاجرين والمسلمين وتعزيز مواقفها المتشددة وهو ما شكل حافزا إضافيا لبعض الفرنسيين للتصويت لصالحها أملا في حماية بلادهم.
ويتفق الكثيرون على أن نسبة كبيرة من التصويت للجبهة قد تحول تدريجيا من تصويت "احتجاجي" على سياسات اليسار الاشتراكي، واليمين الجمهوري إلى تصويت "قناعة" بأفكار وخطاب اليمين المتطرف، خاصة فيما يتعلق بالمهاجرين، والإرهاب.
في مقابل ذلك يعتبر فريق آخر من المراقبين أن النتائج النهائية للانتخابات كشفت وعي الشعب الفرنسي بخطورة الجبهة الوطنية وقدرته على التصدي لها وقت الأزمات فرغم حالة الاستياء التي تسيطر على الفرنسيين من سياسات الحكومة والعمليات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد مؤخرا غير أن ذلك لم ينقلهم إلى صفوف الجبهة الوطنية فهم على إدراك جيد بخطورة هذا الحزب، وأفكاره على مستقبل بلادهم.
ويؤكد أصحاب هذا الرأي أنه في ضوء نتائج الانتخابات الإقليمية الأخيرة فإنه يمكن القول إن حزب الجبهة الوطنية لديه فرصة قوية في تجاوز الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية عام 2017 ليواجه أحد مرشحي اليمين أو اليسار غير أنه لن يتمكن من تجاوز عتبة الجولة الثانية والوصول إلى الإليزيه فمن المستبعد تماما أن يسمح الفرنسيون لهذا الحزب بأن يصل إلى سدة الرئاسة ويتولى زمام أمرهم وينفذ ما ينادي به دوما من أفكار متطرفة وغير مقبولة مثل التخلي عن عملة اليورو والخروج من الاتحاد الأوروبي.
في ضوء ما سبق يمكن أن نخلص إلى أن الجبهة الوطنية ورغم هزيمتها في هذه الانتخابات الإقليمية غير أنها نجحت في أن تخلق لنفسها مكانة قوية بين القوى السياسية التقليدية في فرنسا فضلا عن تعزيز شعبيتها بصورة غير مسبوقة تمهيدا للسباق الرئاسي المنتظر العام 2017.
ورغم نجاح الشعب الفرنسي في التصدي لهذه الجبهة، وإدراكه للتهديد الذي تمثله على البلاد إلا أن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية كفيلة بأن تدق ناقوس خطر من هذه الجبهة على الجمهورية الفرنسية إذا لم تنجح الأحزاب التقليدية في الوقوف أمامها، واستعادة ثقة المواطنين، ومكانتها المتراجعة داخل الشارع الفرنسي.