أسواق
"جوهانسبرج" تستضيف القمة "الإفريقية - الصينية".. 4 ديسمبر
تستضيف مدينة "جوهانسبرج" عاصمة جنوب إفريقيا، القمة " الإفريقية - الصينية"، في الرابع من ديسمبر الجاري.
وتأتي هذه القمة لتعزيز مكانتهما الاقتصادية في عالم أصبحت فيه الغلبة للتكتلات التجارية الكبيرة العابرة للقارات بحثاً عن أسواق جديدة، في ظل تذبذب الوضع الاقتصادي ركوداً وصعوداً، والطموح الجامح للاستحواذ على الجزء الأكبر من "كعكة" التجارة البينية العالمية بين دول القارات الخمس.
الصين، القوة الاقتصادية الأسرع نمواً في العالم، تغلغلت منذ عقدين مضيا (أوائل الحقبة التسعينية 1990)، داخل القارة في هدوء شديد، رافعة شعار "صداقة وشراكة بلا استغلال"، كسبت من خلاله عقول القادة الأفارقة، وقلوب شعوبها، التي لاتزال لديها حساسية ونفور من الاستعمار الغربي، الذي استنزف موارد القارة لقرون عديدة.
فالقارة الأفريقية بدولها الأربعة وخمسين، تعتبر من أكبر الأسواق الواعدة والصاعدة في العالم، معتمدة على مليار و100 مليون نسمة، وبمساحتها الشاسعة ذات الثلاثين مليون كليو متر مربع، تشكل أقل من رُبع مساحة اليابسة من الكرة الأرضية (20%).. تشكل بالنسبة للصين التي تتمدد فيها منذ 20 عاماً مضت "سوقاً مفتوحة" وميداناً يقل فيه منافسوها.
والقارة التي يبلغ نسبة نموها الاقتصادي سنوياً حوالي 5,8% ، تعتبر بمقاييس الاقتصاد العالمي من النسب المشجعة على الاستثمار فيها، وتمتلك ما يعادل 12% من الاحتياطي العالمي للبترول في العالم (124 مليار برميل) في أراضي الجزائر وأنجولا وليبيا والجابون وجنوب أفريقيا ومصر ونيجيريا والكونغو وغينيا الاستوائية. إلى جانب 500 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، يشكل 10% من احتياطي الغاز في العالم.
وتحتل القارة الصدارة في إنتاج البلاتين في العالم باحتكارها حوالي 90% منه، ونصف احتياطي الذهب 50% على مستوى العالم، إضافة إلى 40% من إنتاج الأحجار الكريمة (الألماس)، و30% من اليورانيوم، و27% من إنتاج الكوبالت، ونسبة ضئيلة من خام الحديد الذي لا يتعدى 9% فقط من أنتاج العالم .
وهناك الموارد الزراعية، ويأتي البن والكاكاو والذرة والقطن في مقدمتها، ويساعد التباين المناخي في أرجاء القارة، وتنوع الطقس فيها على مدار السنة، إضافة إلى توفر المياه بكميات هائلة من خلال الأنهار والأمطار، ما جعل من الزراعة المهنة الرئيسة لغالبية سكان القارة منذ آلاف السنين، حيث يمتهنها أكثر من ثلثي السكان، وتتراوح عوائدها ما بين 20-60% من الناتج القومي لدول القارة.
هذا بالإضافة إلى المساحات الشاسعة التي تغطيها الغابات في القارة ما يجعلها منتجة ضخمة للأخشاب ، ومصدرة لها، إلى جانب الثروة السمكية التي يمتهن حوالي 10 ملايين أفريقي صيدها، بقيمة تصدير حجمها أكثر من 2,5 مليار دولار سنوياً.
كل هذه الامتيازات، جعلت القارة السمراء محط اهتمام الصين منذ بداية التسعينات، فبادرت في بداية الألفية الجديدة (عام 2000)، إلى إنشاء منتدى التعاون الصيني/ الافريقي بهدف تطوير وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بينها وبين مجموعة الدول الافريقية (ضم 45 دولة)، وهو ما سمح بنمو سريع لمستوى التبادل التجاري الذي ارتفع ليبلغ حوالي 160 مليار دولار. وأصبحت الصين منافساً (قوياً ومفضلاً) في التبادل التجاري للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، اللتين تعتبران الشريكان الأكثر تواجداً وتعاملاً مع دول القارة.
واعتمدت الصين في سياستها الاقتصادية مع افريقيا على التعاون القائم على مبدأ "تبادل المصالح الذي يقوم على تقديم المساعدات والعون "عربوناً" لتبادل تجاري، إضافة لتقديم قروض ميسرة لتأسيس البنية التحتية في الدول، حيث أنشأت 100 محطة لتوليد الكهرباء والطاقة، كما قامت ببناء 30 مستشفى وابتعثت أكثر من 1500 طبيب للعمل فيها، وأسست 50 مدرسة، وعبدت ورصفت أكثر من 3000 كيلومتر من الطرق في 40 دولة، وهو ما جعلها في أعين وعقول الحكومات والشعوب الأفريقية "أكثر نفعاً من غيرها".
وتستخدم الصين إلى جانب تقديم تلك المساعدات عربونا لتوسيع حجم التبادل التجاري مع الدول الأفريقية، "لغة" أخرى تسميها (الغزو الثقافي الناعم) يعتمد على تقديم المنح الدراسية للطلاب الأفارقة في جامعاتها ومعاهدها منذ عام 2009، حيث وصل عدد الطلاب فيها حوالي 13 ألف طالب وطالبة يتلقون دراساتهم الجامعية على نفقة الحكومة الصينية، كما تم اعتماد 18 ألف منحة مجانية أخرى في السنتين الماضيتين، مع تدريب 30 ألف عامل ومهني في المجالات المهنية المختلفة.
وفي ذات الاتجاه، تم الاتفاق على تقديم قروض طويلة ميسرة للدول الافريقية لتطوير المشروعات الزراعية والصناعية خلال المنتدى الخامس للتعاون الصيني /الأفريقي عام 2012 في بكين، وكذلك دعم خطط وبرامج التنمية المستدامة في دولها بعون مالي يبلغ 20 مليار دولار أمريكي. وبعد أن كان عدد المصانع والمؤسسات الصينية في أفريقيا عام 2005 حوالي 700 شركة، قفز عددها في العام 2013 إلى 2000 شركة ومؤسسة تعمل في جميع المجالات.
وبحسب تقرير منشور للبنك الدولي، أصبحت الصين منذ عام 2009، الشريك الاقتصادي الأكبر والأهم لقارة أفريقيا، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما من 12) مليون دولار عام 1955، إلى 166 مليار دولار في 2005، وإلى 210 مليار دولار عام 2013.
وتأتي أنغولا في مقدمة الدول الشريكة للصين بحجم تجارة بلغ 17.66 مليار دولار، وتحتل جنوب أفريقيا المركز الثاني بـ 16.6 مليار دولار، فالسودان بـ 6.39 مليار، ثم نيجيريا بـ 6.37 مليارات، أما مصر فيبلغ التبادل التجاري بينها وبين الصين 5.86 مليار.
أما الصين فتستورد من أفريقيا حاليًّا منتجات زراعية بنحو 2.33 مليار دولار، ويقدر خبراء اقتصاديون أن يتجاوز حجم التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا حاجز الـ 300 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
ورغم ضخامة حجم التبادل التجاري بين القوتين، واستمرار تطور العلاقات الاقتصادية، إلا أن هناك تحديات لا تغيب عن الملاحظة، من بينها أن جنوب أفريقيا التي تستضيف اللقاء السادس وتحتل المرتبة الثانية في حجم التبادل التجاري مع الصين بعض أنغولا، توجد فيها مؤسسات اقتصادية كبيرة ومؤثرة ترتبط مع بريطانيا بأواصر قوية يهمها تنميتها وتطوير علاقاتها التجارية معها على حساب الصين. كما أن الإعلام في هذا البلد الافريقي الكبير والغني، ينحاز أيضاً لمستعمر السابق (بريطانيا) ويتحفظ على التمدد الصيني.
كما لا ينبغي التغاضي عن الوجود أعداد كبيرة من الجنوب أفريقيين من ذوي الأصول الهندية، ويشكلون شريحة مهمة في طبقة التجار، وهو ما يعتبر تحدياً قوياً لنمو العلاقات مع الصين، الجارة اللدودة للهند.
وهكذا، فإن القمة التي تجمع الشريكين في جوهانسبرج، الأسبوع القادم سوف تضاعف آمال الطرفين وقدرتهما على تشكيل "قوة اقتصادية ضاربة" تشكل بالفعل رقماً لا يمكن تجاوزه، في ظل وجود إرادة سياسية راسخة منذ عقود مضت، استطاع خلالها كل طرف منهما تعميق عوامل الثقة وتبني سياسة اقتصادية بعيدة عن التجاذبات والإملاءات السياسية.