دولى وعربى
"المصدر" تنشر نص كلمة "السيسى" بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية "IISS" بلندن
القى الرئيس السيسى كلمة امام اعضاء المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS) خلال زيارته للعاصمة الريطانية لندن وجاء نصها كالتالى :
السيد مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية
السيدات والسادة
أشكركم على دعوتكم للالتقاء بي.. وأقدر حرصكم على أن يتضمن برنامج الزيارة هذا اللقاء.
إنني أدرك جيداً أهمية معهدكم الموقر وأتابع كلما سنحت الفرصة بعض إصداراتكم .. وأعلم قيمة خبراتكم الأكاديمية والعلمية العميقة والمميزة في مجال السياسات الإستراتيجية .. ولذلك أتطلع إلى حوار مثمر معكم حول مختلف موضوعات الساعة على الساحة الدولية، وفيما يخص الشرق الأوسط بشكل خاص.
ولكن قبل أن نبدأ فى حوارنا أود أن أعرض عليكم عدداً من الملاحظات والأفكار التى يمكن أن تشكل أساساً لنقاش مفيد معكم.
أولاً: "الشرق الأوسط لن يعود كما كان"، فكما تعلمون أن منطقة الشرق الأوسط تتعرض منذ بضع سنوات لتطورات سياسية متلاحقة اختلفت مسبباتها وحدتها وتداعياتها باختلاف الدول التى تعرضت لها.. ويمكننا أن نخوض طويلاً فى المسببات التى تقف وراء هذه التطورات سواء كانت نابعة حصرياً من داخل المجتمعات أو أن عوامل خارجية قد دعمت وعززت من قوة تلك الموجة وتأثيراتها. غير أن المهم هنا هو الإقرار بأن منطقة الشرق الأوسط تشهد تغيراً غير قابل للتراجع وله تداعيات ضخمة.. سواء من حيث تطلعات الشعوب لحياة أفضل وعلاقة الشعوب بالحكومات.. أو من حيث الأدوار المختلفة التى تلعبها الأطراف المؤثرة مثل الحكومات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى.. وهى أمور تدفعنا جميعاً إلى التفكير بعمق فى مستقبل العديد من دول المنطقة.
ثانياً: "لم تسقط الدولة الوطنية ولكن ستعاد صياغة العقد الاجتماعي"، فقد استرعى انتباهيَ أثناء متابعتي لما يُكتب فى الصحف ودوريات الفكر الغربية عن منطقة الشرق الأوسط.. تركيزٌ على مفهوم سقوط الدولة الوطنية.. ويذهب البعض إلى أن المنطقة يجب أن تُعاد صياغتها بالكامل نتيجة التآكل الظاهر فى فكرة الدولة الوطنية وفي قدرتها علي الصمود بالذات في وجه الصعود المتنامي لتيارات عنيفة ومتطرفة تريد أن تفرض رؤيتها الإجرامية متسترة بعباءة الدين الإسلامى وهو منها برئ.
وفى الحقيقة فإنني لا أتفق تماماً مع أصحاب هذا الرأى.. وإن صح فقد يصح بالنسبة لحالة بعينها دون تعميم.. وعلي سبيل المثال لم تسقط الدولة الوطنية فى مصر رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها.. ولن تسقط.
ومع ذلك فينبغي الإقرار بأن التحديات الضخمة للأمن والاستقرار فى بعض المجتمعات.. بالإضافة إلى عدم قدرة الحكومات على تلبية تطلعات الشعوب فى حدها الأدنى قد تدفع إلى التفكير بأن ما يحدث هو نهاية عهد الدولة الوطنية.. ولكنني أقول أنه قد يمثل – إذا أحسنا استثمار اللحظة - بداية سليمة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الشعوب والحكومات على قواعد وأسس ومفاهيم جديدة تتواءم بشكل أفضل مع تطلعات الشعوب واحتياجاتها الحقيقية.. دون حاجة إلى تفتيت الدول أو إعادة رسم الحدود أو ما شابه ذلك من تصورات أو اجتهادات فى غير محلها.
ثالثاً: "مكافحة الإرهاب لم تعد ترفاً والجميع يجب أن يتضامن لمواجهة المخاطر"، حيث أصبح من المسلمات اليوم أن يتحدث الجميع عن مكافحة الإرهاب.. لكن مع الأسف هناك الكثير من الأمور المرتبطة بهذا الموضوع ليست محل اتفاق دولي بعد.. غير أن ما يهمنى هنا هو التأكيد على أن أي تنظيمات أو جماعات تعمل أو تحرض على تقويض سلطة الدولة والسيطرة على مساحات من الأراضى وعلى إخضاع المجتمعات والشعوب لإرادتها بقوة السلاح إنما هي تنظيمات إرهابية يتعين مكافحتها بشتى الوسائل وتجفيف منابع تمويلها ومدها بالسلاح.
والأهم يتمثل فى ضرورة دحض وتفنيد أفكارها المتطرفة والعنيفة التي تستند إليها في أنشطتها من خلال جهود فكرية وثقافية وإعلامية دؤوبة ومنسقة وعميقة، كما تدعونا ظاهرة المقاتلين الأجانب إلى التمعن في أسباب جاذبية هذه الأفكار المتطرفة بالنسبة لفئة من الشباب يعيشون في مجتمعات تتسم بمساحة كبيرة من الحريات والمساواة.
رابعاً: بالنسبة "للوضع الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط"، فهناك حقيقتان هامتان فيما يتعلق بهذا الوضع أود أن أبرزهما من منظور مصرى خالص.. الأولى تتعلق بالنزاع الفلسطينى الإسرائيلى... والذى سيظل من وجهة نظرنا يشكل أحد المنابع الأساسية لانعدام الاستقرار في هذا الإقليم..فتسوية القضية الفلسطينية على أساس عادل تفتح الطريق أمام تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط.. ليس فقط لأنه الصواب والحق الذي يجب عمله وإنما أيضا لأنه يحرم أطرافاً كثيرة من التستر وراء هذه القضية العادلة لتنفيذ أهداف سياسية وأمنية لا علاقة لها بفلسطين.
أما الحقيقة الثانية فتتمثل فى رسوخ ومتانة العلاقة التى تربط بين مصر ودول الخليج العربى.. هذه العلاقة ذات البعد الثقافى والحضاري والشعبي والعمق التاريخي تمتلك طابعاً سياسياً واستراتيجياً غير قابل للانفصام.. وقد وددت أن أذكرها لأنها يجب أن تكون من المعطيات في تعامل أي أطراف مع الوضع الاستراتيجي للإقليم.
خامساً: "مصر اجتازت المرحلة الأصعب وتتطلع بثقة إلى المستقبل"؛ فدعوني أقول لكم أن بلدنا قد اجتاز مرحلة دقيقة من التحديات كان يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية خطيرة على استقراره لولا يقظة وحضارة الشعب المصرى والثقة التي تربط بينه وبين جيشه والقدرات الجيدة التي أبداها الجيش والأمن فى التعامل مع تلك التحديات.. ونحن ننطلق الآن بثقة إلى مستقبل نراه واعداً.. ولعلكم تابعتم فى أغسطس الماضى احتفالنا بافتتاح قناة السويس الجديدة والتى أراها تجسيداً حياً لرغبة المصريين فى بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.. وأنا على ثقة في أن الشعب المصرى يعي تماما التحديات الأمنية والأخطار المحيطة.. كما أننا نعمل بشكل دؤوب على مسارات متعددة للانتقال بالبلاد إلى تحقيق الطموحات الشعبية فى الاستقرار وتحسين مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
السيدات والسادة
هذه ملاحظات مبدئية أردت أن أضعها أمامكم لكي نفتح بها حديثاً صريحاً وتبادلاً مفيداً للأفكار والرؤى.. أشكركم على حسن استماعكم وأتطلع للاستماع إلى تعليقاتكم وأسئلتكم.