دولى وعربى
"المصدر" تنشر كلمة وزير الخارجية أمام اجتماع لجنة متابعة المبادرة العربية للسلام
أود في مستهل اجتماعنا أن أدعُوكم للترحم على المغفور له – بإذن الله - الأمير سعود الفيصل رحمه الله، والذي لطالما أثرى بحضوره وآرائه أعمال هذه اللجنة.
تلتئم لجنة متابعة مبادرة السلام العربية اليوم استجابة لطلب دولة فلسطين وبحضور الرئيس محمود عباس للتشاور حول مستجدات القضية الفلسطينية، وسبل التحرك لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في ظل تطورات وخيمة كان آخرها الجريمة البشعة التي صدمت العالم بأسره بحرقِ رضيعٍ فلسطيني منذ أيام، وهو ما يمثل أحد أوجه الهمِ اليوميٍ للفلسطينيين من جراء اعتداءات سافرة وانتهاكات يقوم بها المستوطنون ضدهم بما ينتزع منهم الحد الأدنى من الحق الإنساني البسيط بالشعور بالأمان، فضلاً عن ممارسات يومية تقوم بها إسرائيل كهدم للمنازل وتقييد حرية التنقل، وتبني قوانين تتنافي وحقوق الإنسان كالإطعام القسرى للأسرى، وغيرها.
كما أن تزايد الانتهاكات المنظمة للحرم القدسي الشريف من قبل المتشددين والمحاولات المتكررة لتغيير الوضع على الأرض، يضاعف من حجم الاحتقان بما ينذر بمواجهات، للأسف، يمكن أن يزج بالدين فيها ليكون وقوداً لها وهو آخر ما تحتاجه المنطقة التي يعصف بها حالياً عنف يتخذ من الدين ستاراً له.
عبثاً، حاول البعض في الفترة الأخيرة الترويج لأن الأزمات التي يمر بها إقليمنا العربي قد أزاحت القضية الفلسطينية عن صدارتها في سلم أولويات السياستين العربيةِ والدولية إلى مرتبةٍ أدني، وأن العالم لديه في الوقت الحالي ما يكفيه من القضايا المُلحة التي عليه التعامل معها بصورة عاجلة لتأثيرها على استقرار وأمن المنطقة.
ولعلكم تشاركونَني الرأي في أن تلك المقولة قد ثبت مراراً عدم صحتها، فالقضية الفلسطينية كانت ولا زالت محور اهتمام الأمة وقضية العرب الأولى، وأن التسويف المستمر في حلها بشكل شامل وجذري على أسس عادلة وفق مقررات الشرعية الدولية قد ألقي بظلالَه على المنطقة بأسرها وضاعف من أزماتها،
فقد أساءت قوى الشر دوماً للقضية الفلسطينية، فاستغلت تغلغلها في الوجدان العربي ومكانتها لدي أجيال عايشت تفاصيلها وتفاعلت معها، بأن تاجرت بإسمها لتجند شبابنا لتنفيذ أجندات خاصةٍ ليس لها أدنى صلة بحقوق الشعب الفلسطيني، ولا أعتقد أنني أُبالغ حينما أقول أن التأخر في التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية يبعث برسالة سلبية إلى شعوب أخرى في المنطقة تعاني من النير، وتثير لديها الشكوك بعدم جدية المجتمع الدولي في تولى مسئولياته.
كان أشقاؤنا الفلسطينيون دوماً ضحيةَ تأجيل قضيتهم انتظاراً لحل هموم دولية أو حتى داخلية، فاهتز أملهم في نيل حقوقهم وزاد شكهم في رغبة المجتمع الدولي في حل قضيتهم، وعليه فإن مصر تثمن دوماً أيةَ محاولات جادة ومبادرات مخلصة لوضع أطر وأسس ومعايير عادلة وشاملة للتوصل إلى التسوية السلمية، وترى فائدة في البناء على مثل هذه الأفكار.
في هذا الصدد، لا زالت مصر تؤمن بأن الإطار المتكامل الذي توفره مبادرة السلام العربية يحقق ما تربو إليه كل دول المنطقة من سلام شامل ومستقر يقوم على التعاون.
في هذا الإطار، فقد تتفقون معي على أن الظروف الحالية تستوجب تكثيف الاتصالات مع أطراف المجتمع الدولي التي لها نفس الهدف من خلال آليات تواصل مرنة، للبناء على الجهود التى شهدتها الفترة الماضية.
والتي تلت تولى مصر رئاستي القمة ولجنة متابعة مبادرة السلام، حيث عقدت اللجنة الوزارية المصغرة التي تضم مصر والمملكةَ الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية ودولة فلسطين وأمين عام جامعة الدول العربية سلسلة اجتماعات بالقاهرة وبرشلونة، شملت استقبال وزير الخارجية الفرنسي لمناقشة مقترح بلاده حول دفع المفاوضات.
إن الدولة الفلسطينية المستقلة التي نتطلع إلى قيامها على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية تحتاج دون أدني شك وبشكل مُلِح إلى اصطفاف فلسطينيٍ حول قضيته الأساسية وراء قيادته السياسية، وهو لأَمرٍ يستوجب إنهاء الانقسام الفلسطيني بشكل عاجل وفق اتفاق القاهرة، هذا
ولن تألو مصر جهداً للعمل على إعادة اللُحمَةِ الفلسطينيةِ مرة أخرى وبالأخص أن الأمر قد أضحى مهدداً لمستقبل القضية الفلسطينية نفسها بشكل غير مسبوق.
قطاع غزة ، غني عن البيان أن تحسين أحوال أشقائنا الفلسطينيين في القطاع أمر يحظي بأهميةٍ بالغةٍ لدى القيادة المصرية والتي لا تفوت أية فرصة لتقوم بذلك من خلال العمل مع القيادة الفلسطينية والمجتمع الدولى، فتسعى مصر بالتعاون مع النرويج إلى حث الدول المانحة للوفاء بالالتزامات التى قطعتها بهدف إعادة إعمار القطاع خلال مؤتمر القاهرة.
أشكركم لحسن استماعكم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته