منوعات
خلال 3 معارض فردية و 5 معارض جماعية
من «الأمكنة والبدايات» إلى «أن تكون حاضرًا».. «موزاييك الشادو» يرسم لوحات رومانى حافظ
» إحترافية التعريض التراكمى والمتعدد.. ترسم حالات «الحضور والغياب والفقد والنوستالجيا
» إستدعاء الذاكرة البصرية عبر فترات زمنية متباعدة.. القاسم المشترك فى لوحات رومانى حافظ
منذ 5 سنوات، وفى بدايات شتاء 2017، كانت أول المشاهد، فى إحدى قاعات العرض الفنية فى مدينة الشيخ زايد - غرب القاهرة-، التى مازلت أتذكر تفاصيلها جيدًا، وقت حضورى أحد المعارض الفنية، ذات اللون والطابع الخاص، معرض « فى الأمكنة والبدايات»، للصور الفوتوغرافية، مختلفة الروح والملامح، التى تعتمد فى عرضها، على عمليات التعريض والتشكيل الضوئى، لتشكل الوجدان البصرى للفنان، الذى يمزج فى حضوره، بين ما تشكله اللوحة أو الصورة من الذاكرة، وبين ما يجسده، تفسير المتلقى من ماهيات «الماوراء».
معرض « فى الأمكنة والبدايات»، للفنان رومانى حافظ، كان من ضمن 3 معارض فردية مختلفة حضرتها، تباعًا للفنان، الذى ضم صورًا فوتوغرافية، تشكل الإرتباط بين الذات والمكان، وتربط بين جميع اللوحات نسيجًا واحدً مشتركًا، مغزولًا بعناية فائقة، عبر نول الذاكرة.
فى نوفمبر 2018، حضرت، «ميمورابيليا .. من ذاكرة ما»، هو المعرض الثانى – الخامس لرومانى حافظ-، والذى ضم 25 صورة، نحتت تفاصيل لوحاتها بين سيوة وأسوان والمجر، وضم صورًا لأماكن قد تكون خالية من الحياة، ولم يتبق منها سوى الذكريات والأثر الذى تركه أصحابها وراءهم، وصور المعرض و جنباته تؤكد على هواية جمع الذكريات، وترسيخ الذاكرة البصرية، وهو شىء لو تعلمون عظيم، لأنه النبتة الأولى لمشروع ترسيخ الهوية البصرية، وتعضيد الذاكرة القومية.
فى معرض « ميمورابيليا » تمازجت اللوحات، عبر رحلة إستكشاف الذكريات، والتنقيب الثقافى بين المجروأسوان وسيوة، منذ عام 2009، حتى وقت ظهور الصور بالمعرض.
من الصعب والنادر فى معارض مصورى الفوتوغرافيا، أن تجد من يمزج بين الفوتوغرافيا والفن، وهى المعادلة الصعبة التى نجح فى توفيرها رومانى حافظ فى لوحاته، بجانب الإهتمام بجودة الطباعة، وإختيار الفريمات الخشبية، ودمج الخلفيات والحركات بتقنيات عالية، لتتماذج تلك الحركات أوما يسمى بالشادو، لتشكل عدة أشكال مختلفة متناسقة ومرتبطة زمنيًا ومتراصة مثل «موزاييك الشادو».
فى معرض « ميمورابيليا» ، كانت الصورة الرئيسية لعم أنور، أحد معارفه الشخصيين القاطنيين جزيرة سهيل فى أسوان، وهى صورة كان من غير المخطط أصلًا عرضها أو تصويرها، حيث تم إصطحاب عم أنور وفريق عمل التصوير الى قريته، لتصوير معالم البحيرة بجزيرة سهيل، وتصوير ذكرياته فى القرية، ليفاجأ به، يقف غارقًا فى تفاصيل ذكرياته وشجونه وسط أمواج النوستالجيا المتضاربة، على قمة أحد الأماكن أعلى البحيرة، وهنا تظهر لحظة الإبداع المرتقبة و يتم التقاط صورة «عم أنور»، لتكون هى الحدث و الموضوع فى «أن تكون حاضرًا»، و يتم التغاضى عن عرض صورة البحيرة، التى تم إلتقاطها، والذهاب إليها خصيصًا مع فريق العمل .
فى معرض» ميمورابيليا»، أتذكر جيدا لوحة وسط البلد، والتى تجسد مثقف أوأديب، حاضرًا بروح جسده، ويجلس على كرسى خشبى، و فى المنتصف يبدو وجه رومانى حافظ، و مائة شاهد، لما تركته الأتربة على أمهات الكتب، ليظهر الحاضر الغائب، على من نحتت المجلدات، جزءًا من ملامح وجهه عبر عقود من الزمن، وتترسخ الحكمة، بأن موت الجسد، ليست نهاية الذكرى، ولكن الموروثات الثقافية وحدها، هى من تفرض إنعدام الرحيل والغياب.
من لوحات المعرض الأخرى، كانت لوحة « الأقصر» تلك الصورة، التى تظهر جليًا، بقايا أشجار النخيل والطرق الطينية الممهدة بأيادى المزارعين وحوافر حيواناتهم الأليفة، لتستبدل بيوت الجنوب الطيبة -عن بكرة أبيها- بعلب وكتل أسمنتية تخلو من الألفة والدفء، وتتخللها مدارس عالية المبانى، باتت تخلو هى الأخرى من التعليم والتربية، كما كانت المدارس، منذ برهة ليست طويلة من الزمن.
ومن أحد تفسيرات « الماوراء » فى لوحات رومانى حافظ، هو توغل المبانى والعلب الأسمنتية، فى قرى الجنوب الطيبة، ووجود المسطحات الخضراء، على جانبى التفاصيل، والواضحة فى الصور ذات اللونين الأبيض والأسود، ما هى إلا رسالة أن «الخلاص بالأخضر»، وأن تحول البلاد والعباد الى الأخضر، هو بارقة الأمل الوحيدة، للتخلص من انبعاثات الكربون والتغير المناخى، كما كانت الحياة ، فى الماضى، ومنذ بضع سنوات ماضية.
المعرض الثالث « أن تكون حاضرًا To Be Present » فى فبراير 2021، فى إحدى قاعات العرض بحى الزمالك، - وسط القاهرة - ضم 27 معروضة، ما بين 17 صورة، و 10 مصغرات – مكعبات -، من نيجاتيف الكاميرات، لأفلام التحميض الأبيض والأسود، منها صورة ، صورت بكاميرا يقتنيها الفنان، يزيد عمرها على مائة عام، منذ عام 1929، وصورت لوحات المعرض بين الأقصر وسيوة وأسوان، والذى دمجت فيها بين الضوء والظل وبين الأبيض والأسود.
قسمت جنبات المعرض عبر 3 محاور ومشاريع رئيسية، الأول الخاص بذهن الفنان ورصد الأماكن ، والثانى عبر الإندماج وقت الإلهام فى التصوير عبر وجود أشخاص شبحية و تصوير المشهد ونفس المكان عبر عدة كادرات، أما المحور الثالث والأخير، فيتعلق بتخيل الماضى، لتظهر خبرة الفنان فى إيصال عصارة الخبرات لذاكرة المكان الى المتلقى.
فى « أن تكون حاضرًا»، أعتمد الفنان، على إستخدام تقنيات التعريض المزدوج المتعدد والطولى الممتد للضوء، Long & Multi Exposure، لتثبيت مجموعة من الأشياء فى الذاكرة، ويتم تسجيلها، وإسترجاعها بإختلاف، وتعدد شديد لدى ذهن كل متلقى، وتقنية “ التعريض التراكمى”، تتمثل فى تصوير أشخاص، يتعرضون لتعريض ضوئى طويل ومتعدد تظهر فى صورة شبحية، وتصوير نفس المشهد بكاميرا ثابتة عدة مرات ، وأبطال الصورة تمر من خلالها، وهو ما يظهر كمشهد حقيقى أمام عين المتلقى.
واللوحات المعروضة، لاتستهدف توصيل تفسير محدد لماهيات المضمون، وهنا يتبين نجاح الفن فى خلق حالة من الجدل حول تفسير الحكايات وراء اللقطات والكادرات، وبما يستدعى المخزون البصرى لكل متلقى على حدة.
يفرض الفنان رومانى حافظ ، شخصيته المختلفة، التى تظهر ملامحها فى إختيار كادراته، والتى ترسم كلوحة فنية، بعناية من داخل الذاكرة، وهو ما يجعل المتلقى يغوص ويعيش فى تلك العوالم، ويحن بشكل مستمر لتفاصيل الواقع الغائب.
يعد السبب الرئيسى فى إختيار عرض الصور باللونين الأبيض والأسود، لما تنمحه من فرص لخيال المشاهد والمتلقى، لتلوين الصورة فى ذهنه وفقا لتفسير ورؤية كل متلقى على حدة، لتفاصيل الصورة، التى صورت بكاميرا قديمة وقوية، أعطت تأثيرات، يصعب على الكاميرات الحالية والمتطورة، أن تعطى الإبهار الموجود فى صور وأفلام النيجاتيف لتلك الكاميرا.
على الناحية الأخرى، يوجد النيجاتيف المعروض فى المكعبات الزجاجية، والذى يعرض ببساطة، الخبرة والذاكرة البصرية فى المكان الذى قام رومانى حافظ بزيارته، عبر فترات زمنية متباعدة ومختلفة، والتى تعبر عن ثقل فنى وثقافى وتصويرى، ممزوج بالحس الفنى الراقى للحداثة وما بعد الحداثة.
المكان هو من يختار رومانى حافظ لإختيار الصورة والكادر، وجميع الأعمال، لا تعتمد على إختيار كادرات تقليدية، أونمطية، و قد تكون صور شبحية، أو صور لحركات سريعة أو بطيئة، لتفاصيل الصور، هدفها إسترجاع الذاكرة البصرية للفنان، والتى تستغرق أكثر من كادر فى صورة واحدة، حيث لايتم إختيار أو تثبيت شكل محدد، كما هى القوالب الجامدة للصور التقليدية.