دولى وعربى
«النقد الدولي»: التعاون عامل أساسي للحد من تباين مسارات التعافى الاقتصادي
قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، اليوم الخميس، 4 فبراير، إن الطريق إلى التعافي الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى يعتمد على إجراءات احتواء الفيروس، وفرص الحصول على اللقاحات وتوزيعها، والمجال المتاح للسياسات حتى تدعم النمو، فضلا عن الإجراءات التي تخفف من وطأة الآثار الاقتصادية العميقة الناجمة عن الجائحة.
وأوضح أزعور في مدونة نشرت على الموقع الإلكتروني للصندوق اليوم الخميس أن الموجة الثانية من الفيروس التي بدأت في شهر سبتمبر الماضي ألحقت الضرر بالعديد من بلدان المنطقة، حيث فاقت معدلات الإصابة والوفيات إلى حد بعيد تلك المعدلات المسجلة أثناء الموجة الأولى.
ولفت إلى استئناف معظم البلدان تطبيق بعض القيود الانتقائية للمساعدة في الحد من آثارها الإنسانية والاقتصادية السلبية، بينما بدأت بعضها بالفعل حملات التطعيم، ما أظهر أوجه التفاوت في خطط نشر اللقاحات على مستوى المنطقة بأكملها، الأمر الذي يقتضي تنفيذ سياسات فعالة لتجنب إطالة أمد الأزمة أو تحقيق تعاف غير متوازن.
وأضاف مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أن بلدان المنطقة التي لديها أكثر شركات إنتاج اللقاحات تنوعا (في ظل اتفاقات ثنائية مع شركات صينية وروسية وغربية) تشمل دول مجلس التعاون الخليجي والبلدان الكبيرة التي تتمتع بالطاقة الإنتاجية مثل مصر والمغرب وباكستان.
وأشار إلى أن العديد من البلدان، بما فيها الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، ما تزال معتمدة على التغطية المحدودة التي تتيحها مبادرة "كوفاكس" التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية، وتحيط بهذه البلدان مخاطر كبيرة على وجه الخصوص، نظرا لمحدودية قدراتها في مجال الرعاية الصحية وضآلة التمويل المتاح لآلية "كوفاكس"؛ ما قد يؤخر توافر اللقاحات على نطاق واسع حتى النصف الثاني من 2022.
ولفت إلى تعديل صندوق النقد الدولي لتقديرات النمو لعام 2020 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بزيادة قدرها 1,2 نقطة مئوية، ليصل الانكماش الكلي إلى 3.8%، ويرجع ذلك بقدر كبير إلى الأداء الأقوى المتوقع في البلدان المصدرة للنفط، نظرا لأن عدم ظهور الموجة الثانية من الفيروس في بعض البلدان أعطى دفعة للأنشطة غير النفطية، كما جاء تأثير الموجة الأولى أقل من المتوقع.
وأضاف: في البلدان التي قدمت دعما أكبر من خلال سياسة المالية العامة والسياسة النقدية لمواجهة جائحة كوفيد - 19، من المتوقع أن يحقق الاقتصاد تعافيا أقوى، يسانده في ذلك مستوى الهبوط الاقتصادي الأقل عمقا في عام 2020، وعلى وجه التحديد، بينما يتوقع لبلدان القوقاز وآسيا الوسطى كمجموعة العودة في عام 2021 إلى مستويات إجمالي الناتج المحلي المسجلة في 2019، بفضل قوة استجابتها لجائحة كوفيد-19، فإن البلدان المتأثرة بشدة من الموجة الثانية ستتأخر عن اللحاق بالركب ولن تستعيد مستويات إجمالي الناتج المحلي لما قبل الجائحة إلا في عام 2022.
وتابع: من المتوقع أن يتعثر التعافي في الأسواق الصاعدة بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عن البلدان النظيرة في المناطق الأخرى، حيث لن تتمكن معظم البلدان من استعادة مستويات إجمالي الناتج المحلي المسجلة في 2019 حتى عام 2022، وستتضرر على وجه الخصوص الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، حيث يتوقع أن تنخفض مستويات إجمالي الناتج المحلي لعام 2021 بنسبة قدرها 6% مقارنة بمستويات عام 2019.
وشدد جهاد أزعور على أن المخاطر ما تزال مرتفعة، فتجدد الإصابات بالعدوى قد يؤخر تحقيق التعافي في حالة عدم توافر اللقاحات والحيز المتاح من السياسات، وقد تتسبب تحورات الفيروس الأخيرة في خلق المزيد من التحديات، فازدياد احتياجات الإنفاق قد يتسبب في تفاقم المخاوف بشأن استمرارية القدرة على تحمل الدين في العديد من البلدان، وخاصة في حالة حدوث زيادة حادة في علاوات المخاطر العالمية أو ارتفاع أعلى من المتوقع في أسعار الفائدة العالمية ينتج عنهما تشديد أوضاع التمويل وازدياد مخاطر تمديد الديون، وأخيرا، قد يتسبب التأخر في توزيع اللقاحات أو سوء إدارته، إلى جانب ازدياد مواطن الخطر، في إشعال القلاقل الاجتماعية مجددا.
وأكد أن التعاون الدولي والإقليمي عاملا أساسيا في عالم يواجه تعافيا اقتصاديا غير متوازن فيه من يملكون اللقاح ومن لا يملكونه وسيضمن تعزيز الشفافية بشأن عقود اللقاحات إمكانية الحصول عليها على نحو متكافئ، ومن الضروري ضمان عدالة توفير اللقاحات للبلدان الأفقر والبلدان التي تعاني من أوضاع الهشاشة والصراع، فضلا عن ضرورة تعزيز التمويل لآلية "كوفاكس"، ومن شأن التنسيق على المستوى الإقليمي أن يسهل إعادة توزيع اللقاحات الزائدة ممن تمكنوا من تأمين فائض منها (بما في ذلك من خلال طاقة الإنتاج المحلي) إلى من لا يملكون الإمدادات الكافية، وينبغي إعطاء الأولوية للدول الهشة والمتأثرة بالصراعات للحيلولة دون وقوع مآسٍ إنسانية أخرى.
وأضاف أنه بينما ما يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله للتصدي لهذه الأزمة الآنية، فلابد للمنطقة أيضا أن تتحرك بسرعة وبالتوازي بغية تحقيق تعاف اقتصادي لما بعد الجائحة يتسم بالصلابة والاستقرار ويكون أكثر احتواء للجميع، ويتطلب ذلك معالجة تأثير الأزمة غير المتوازن على سوق العمل وكبح تصاعد عدم المساواة فيه، وتعزيز الحماية الاجتماعية، والتصدي لموروثات الأزمة، لاسيما فرط المديونية، ولتسريع وتيرة التعافي وتجنب مغبة الدخول في عقد ضائع، ينبغي البدء بالعمل الآن في تنفيذ الاستثمارات عالية الجودة في مشروعات البنية التحتية الخضراء والتحول الرقمي.
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي، الذي قدم تمويلا ضخما للمنطقة في العام الماضي (17,3 مليار دولار)، يقف على أهبة الاستعداد لمواصلة دعم البلدان على التصدي للأزمة والتحول نحو التعافي من خلال تقديم التمويل والمساعدة الفنية.